في عالم الصناعة المالية، تتعدد استراتيجيات انتشار الخيارات التي يمكن للمرء استخدامها عند التداول أو الاستثمار في الخيارات، حيث يمكن تصنيف فروق الأسعار بطرق مختلفة ويعد الانتشار الائتماني أبرزها، فما معنى انتشار الائتمان؟ وما هي الصيغة الخاصة به؟ وكيف تحسب مخاطر انتشار الائتمان؟
بشكل عام، يشير مفهوم الانتشار إلى عمليات بيع وشراء الخيارات المختلفة ضمن نفس الأساس، حيث يستخدم لتحديد العائد الإضافي المطلوب من المستثمر لتحمل مخاطر ائتمانية إضافية. بالتالي، فإن فرق العائد بين الخيارات والسندات ذات تاريخ الاستحقاق المتماثل ونوعية الائتمان المختلفة يشكل ما يسمى انتشار الائتمان أو Credit Spread. لذلك، سنخصص السطور القادمة للتعرف على معنى انتشار الائتمان وصيغته، بالإضافة إلى مخاطر انتشار الائتمان وكيفية حسابها.
ما هو انتشار الائتمان
يعرف انتشار الائتمان بفرق العائد بين سندات الخزانة الأمريكية وسندات دَين أخرى بجودة ائتمان مختلفة ضمن نفس تاريخ الاستحقاق. لكن، لماذا السندات الأمريكية؟
في الواقع، ونظرًا لدعم الحكومة الأمريكية لهذه الخزانة، فإن سندات الخزانة الأمريكية تعد خالية من المخاطر. بالتالي، يمكن استخدام الفرق لتحديد مخاطر سندات الشركات بسهولة.
على الرغم من ذلك، يمكن تعريف انتشار الائتمان بصورة أوسع على اعتباره فرق العائد بين السندات المتنوعة ذات الاستحقاق المتماثل، لكن بجودة أو نوعية ائتمان مختلفة، حيث يحسب باعتباره الفرق بين العائد على سند الشركة والسعر المعياري (سواء كان سعر الخزانة الأمريكية أو غيرها). عادةً ما يؤخذ العائد على السندات الحكومية كسعر مرجعي ويقاس بنقاط الأساس. أي أن وجود فرق 1% من العائد يعني أن انتشار الائتمان يساوي 100 نقطة أساس.
فلنأخذ المعطيات التالية على سبيل المثال:
- سندات الخزانة لمدة 5 سنوات بعائد 3%
- عائد سندات الشركة لمدة 5 سنوات يساوي 5%
على اعتبار تاريخ الاستحقاق ذاته، فإن الفارق الائتماني يساوي 2% أي 200 نقطة أساس.
دلالة انتشار الائتمان
في الواقع، يسمح فرق الائتمان أو ما يعرف باسم انتشار الائتمان بالمقارنة بين سند الشركة والبديل الخالي من المخاطر، حيث يعتبر انتشار الائتمان بمثابة مؤشر على المخاطر الإضافية عند شراء ديون الشركات مقابل ديون حكومية في تاريخ الاستحقاق ذاته. بمعنى أدق، يمثل credit spread عملية تحويل المخاطر من طرف إلى آخر.
من ناحية أخرى، تشير التغيرات في انتشار الائتمان إلى تغير التصورات الخاصة بمخاطر جهة إصدار معينة أو ظروف السوق العامة. فإذا تغير السوق نحو التشكك في شركة ما، يتسع انتشار سندات الشركة أو فروق الأسعار، بمعنى أن أسعار الشركة تنخفض. بالتالي، يتحرك الانتشار والأسعار باتجاهين مختلفين، إذ يؤدي اتساع الانتشار إلى خفض الأسعار.
حركة انتشار الائتمان
بشكل عام، فإن حركة انتشار الائتمان ليست ثابتة، بل تتغير بمرور الوقت تبعًا للظروف الاقتصادية، حيث يمكننا تلخيص حركات انتشار الائتمان ضمن حالتين:
- توسيع الانتشار: تظهر هذه الحالة عند تدهور أوضاع السوق، حيث تعد مخاطر تخلف الشركات عن سداد ديونها أكبر مما كانت عليه. لذلك، يسعى المستثمرون إلى شراء السندات من الخزانة الحكومية وبيع ممتلكاتهم في سندات الشركات. بالتالي، تزداد تدفقات المال لصالح سندات الخزانة، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر هذه السندات وانخفاض العائد. بالمقابل، إذا نظرنا إلى سندات الشركات سنجد زيادة تدفقات رأس المال الخارجة من سندات الشركات، مما يؤدي إلى انخفاض سعر السندات وزيادة العائد عليها. في هذه الحالة، تتسع هوامش الائتمان أو يتسع انتشار الائتمان بين سندات الشركات وسندات الخزانة.
- تضييق الانتشار: حيث يعتبر تضيق الفرق بين سندات الشركة والسندات الحكومية أمرًا إيجابيًا، فهو يعني انخفاض مخاطر تخلف الشركة عن سداد ديونها أي أن مخاطر الائتمان تكون أقل في سندات الشركات. لذا، يسعى المستثمرون إلى شراء سندات الشركات وبيع سندات الخزانة مما يؤدي إلى زيادة سعر سندات الشركات وتقليل عائدها. كما ينخفض سعر سندات الخزانة بسبب زيادة تدفقات رأس المال الخارجة منها. كل هذا يقود إلى تضيق هوامش الائتمان بين سندات الشركات وسندات الخزانة المماثلة.
صيغة انتشار الائتمان
ببساطة، يمثل انتشار الائتمان الفرق بين عائد سندات الشركة وعائد سندات الخزينة ضمن تاريخ الاستحقاق نفسه. أي يجب أن تكون تواريخ سندات الشركة والخزينة نفسها. كما يمكن استبدال عائد سندات الخزينة بأي عائد مرجعي أو قياسي آخر بالنسبة للمستثمرين.
مع ذلك، تأخذ صيغة انتشار الائتمان الشكل التالي:
انتشار الائتمان = (1 – معدل الاسترداد)*(الاحتمال الافتراضي).
حيث يمثل انتشار الائتمان ناتج ضرب الاحتمال الافتراضي أو احتمالية التقصير من جهة المصدر في (1- إمكانية الاسترداد في المعاملة المحددة).
مخاطر انتشار الائتمان
تنشأ المخاطر الائتمانية من عدم قدرة المقترض على سداد القرض والفوائد ضمن الوقت المستحق. بالتالي، تشير مخاطر الائتمان إلى الخسائر المحتملة بالنسبة للطرف المُقرِض بسبب احتمال عدم قدرة الطرف الآخر على السداد. تنتج مخاطر انتشار الائتمان عمومًا من التقلبات في الفرق بين سعر الفائدة على الاستثمار ومعدل العائد الخالي من المخاطر.
كما نعلم، تكون معدلات الفائدة أعلى في القروض ذات المخاطر العالية، وهذا ما ينعكس بدوره على فروق الأسعار حيث ترتفع أيضًا. بالتالي، ترتفع الفروق الائتمانية في حالات الركود الاقتصادي بسبب قلة الاستعداد لاتخاذ استثمارات أكثر خطورة. لذلك، تظهر مخاطر انتشار الائتمان عندما يتبين أن انتشار الائتمان لاستثمار معين ليس مرتفعًا بما يكفي لتبرير الاستثمار في القرض أو السند مقابل الاستثمارات الأخرى ذات مخاطر التخلف عن السداد، أي أن الاستثمار أقل قيمة.
لتوضيح هذه الفكرة فلنفرض شراء أحد المستثمرين لسند شركة بائتمان يساوي 4 نقاط مئوية أعلى من سندات الخزانة المماثلة، ثم انخفضت هذه العلاوة إلى نقطة مئوية واحدة. بالتالي، سيبتعد المستثمرون عن إضافة مخاطر التخلف عن السداد لانتشار أصغر مما يؤدي إلى انخفاض قيمة السند.
حساب مخاطر انتشار الائتمان
بما أن انتشار الائتمان يسمح بتحويل المخاطر من طرف إلى آخر، فإن آلية حساب مخاطر انتشار الائتمان تعتمد على فرق الائتمان بين سندات الطرفين. بشكل عام، إذا كان فارق الائتمان بين سندات الخزانة وسندات الشركة يساوي 0%، فإن العملية خالية المخاطر لأن سندات الشركة تقدم نفس العائد الذي تقدمه سندات الخزانة. كما تزداد مخاطر سندات الشركة كلما ازداد هذا الفرق.
في الواقع، يدخل مبلغ الائتمان ضمن الصيغة العامة لحساب مخاطر انتشار الائتمان عن طريق طرح مبلغ الائتمان من عرض الانتشار. فلنأخذ مثالًا لتوضيح كيفية حساب مخاطر انتشار الائتمان.
على فرض أن عملية بيع وشراء السندات تمت ضمن تاريخ الاستحقاق ذاته وبالمعطيات التالية:
- مبلغ الائتمان 0.52 دولار أمريكي.
- البيع عند 40 دولار.
- الشراء بقيمة 42 دولار.
يمكننا حساب عرض الانتشار أو الفرق الائتماني بطرح قيمتي البيع والشراء: 42-40=2 دولار. بالتالي، فإن المخاطرة = 2-0.52= 1.48 دولار.
في الختام، إن كنت تستثمر في سندات أو تُقرض المال، فلا بد من الاهتمام بمعنى انتشار الائتمان ومخاطر التخلف عن السداد أو ما يعرف بمخاطر انتشار الائتمان.