هل لديك فكرة عن مخاطر تعويم العملة على الاقتصاد؟ وهل تعتقد أن سياسة تعويم العملة التي تتبعها البلدان المنافسة لا تشكّل خطرًا على اقتصادها؟ كلا، ففي الواقع كل سياسة منافسة ضمن النطاق الاقتصادي لها إيجابياتها وسلبياتها ومخاطرها على بنية الاقتصاد. وهذا ما سوف نوضّحه في مقالنا.
فتعويم العملة الذي نسمع عنه اليوم، والذي تلجأ إليه البلدان عند تعرضها لاضطرابات على المستوى الاقتصادي والمالي. يؤثر بشكل فعلي على الميزان المالي للدولة، ويزيد حجم العجز التجاري. كما يضاعف حجم المضاربات في سوق النقد الأجنبي. بالإضافة للعديد من الآثار السلبية التي تشكل مخاطر كبيرةً على الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، والتي سنذكرها لاحقًا في فقرات مقالنا.
بالرغم من الخطر الذي يؤثر به تعويم العملة على نقد الدولة، إلّا أنّ هناك العديد من الإيجابيات التي يمكن أخذها بعين الاعتبار. وذلك على اعتبار التعويم بمفهومه البسيط يعني تحرر عملة دولة معينة مقابل العديد من العملات الرئيسية، وتبعًا لآلية العرض والطلب على العملة. وهذا بلا شكّ له جوانبه الإيجابية والسلبية على اقتصاد الدول.
على أية حال، فإن تعويم العملات لا يشكّل محورًا ثابتًا للتعامل، إنّما يتبع نهجًا متغيرًا في آليته. أي يتغير وفقًا لمعدلات العرض والطلب على العملات. والآن، سنقدم في مقالنا مفهوم تعويم العملة، وأنواعه، وإيجابياته ومخاطره. فتابعوا معنا المقال للتعرف إلى ذلك.
معنى تعويم العملة
يقصد بتعويم العملة، أو تحرير العملة الآلية التي تجريها إدارة السياسة النقدية بالبنوك المركزية في سبيل تطوير الأنشطة الاقتصادية ودعمها. ويرتكز مفهوم تعويم العملة على ترك البنوك المركزية لسعر صرف عملة ما، ومعادلة تلك العملة مع عملات أخرى (عملات أجنبية رئيسية كالدولار الأمريكي) حسب نسبة العرض والطلب للعملات في السوق النقدية.
وبذلك، تتقلب أسعار صرف العملات العائمة باستمرار، ودون تدخّل الحكومات أو البنوك المركزية في تحديد سعر صرف العملة بشكل مباشر. ولكن يعتمد ذلك التقلب على معدل تغير العرض والطلب على العملة الأجنبية في البلاد، فمن الممكن أن تتقلب لمرات عديدة خلال اليوم الواحد.
أنواع التعويم
هناك نوعان رئيسيان من تعويم العملة، يمكن تعريفهما على الشكل التالي:
- التعويم الحر: وهو النوع المفضل للدول الرأسمالية، والمتقدمة في دعم عملاتها، والتي تمتلك قوةً كبيرةً في الميزان التجاري. حيث يرتكز التعويم الحر على ترك البنك المركزي لسعر صرف العملة؛ بحيث يتغير ويتقلب بشكل حر مع الزمن، ووفقًا لقوى العرض والطلب، ودرجة تركيز السوق عليه. وفي هذا النوع، لا تتدخل السلطات النقدية بتغير سعر صرف العملات، إنّما تتدخل بسرعة تغيره.
- التعويم المدار أو “الموجه”: والذي يتمثل بترك البنك المركزي لسعر الصرف يتحدد حسب قوى العرض والطلب عليه. وبالتالي سيتأثر هذا النوع بمقدار الفجوة بين عرض العملة، والطلب عليها، وبأسعار السوق السوداء، وبمستويات أسعار الصرف الفورية. وعلى عكس النوع الأول، ففي التعويم المدار تتدخل الدولة في توجيه سعر صرف العملة أمام العملات الأخرى.
أسباب تعويم العملة
من أهم أسباب اللجوء لتعويم العملة من قبل بعض البلدان هي:
- تباين معدلات النمو الاقتصادي: ويعتبر اختلاف المستويات الاقتصادية للدول، وظهور دول منافسة اقتصاديًا لأمريكا كاليابان، وأوروبا الغربية من أهمّ أسباب اللجوء لتعويم العملات.
- تفاقم العجز في ميزان المدفوعات للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا بسبب إنفاق أمريكا على الاستثمار الخارجي، وكذلك يعود لتمويل الإنفاق على حرب “فيتنام”.
- زيادة مستويات التنافس بين الدول الصناعية المتقدمة، وتعارض مصالحها.
- افتقار الاقتصاد الدولي للسيولة العالمية بسبب عجز الميزان التجاري، فالسيولة العالمية تتاح من خلال تدفق عملة الدولار الأمريكي للخارج. الأمر الذي أدّى إلى انهيار نظام “بريتون وودز”.
- اتساع مجال حركة رؤوس الأموال التي تستخدم في نطاق المضاربة الشديدة، ولجوء أسواق الدولارات الأوروبية لتمويل حركات المضاربة التي شهدتها عملات الفرنك الفرنسي، والجنيه الإسترليني، والليرة الإيطالية.
- عدم الاستقرار، والحاجة إلى اتباع سياسات مخالفة لجلب الأموال في البلدان، وخصوصًا في الدول النامية كالسودان والصومال واليمن وسوريا مؤخرًا.
إيجابيات تعويم العملة
يمكن تلخيص إيجابيات التعويم بالقائمة التالية:
- من أهم إيجابيات تعويم العملة هو قضاء التعويم على السوق السوداء. وهذا يتجسّد من خلال قيادة البنك المركزي الذي يعتمد آلية تعويم العملة لملف النقد الأجنبي في الدولة بدون الحاجة لهيمنة شركات التجار، والصرافات.
- القضاء على ظاهرة “الدولرة”. حيث تعني “الدولرة” احتفاظ الشعب بعملة الدولار، والسعي لشرائه دون سبب. وحينها ستقل السيولة الأجنبية في الأسواق.
- يقلص تعويم العملة عجز ميزانية مدفوعات الدولة.
- دعم تدفق الاستثمار الأجنبي.
- زيادة كمية الصادرات السلعية في الدولة.
- تتضاعف ثروة الحاصلين على العملات الأجنبية بدون أدنى مجهود يذكر، وذلك بعد تعويم العملة وتغيير سعر صرفها.
مخاطر تعويم العملة على الاقتصاد
بالرغم من تعدد الإيجابيات، هناك الكثير من السلبيات والمخاطر التي ترافق تعويم العملة، والتي تتلخّص بما يلي:
- ارتفاع التضخم النقدي عند تحرير سعر صرف العملات بشكل قياسي، مما يؤدي لظروف اقتصادية صعبة. وهذا ما حصل في جمهورية مصر التي شهدت ارتفاعًا بنسبة التضخم النقد لحوالي 35% بعد تعويم عملتها بشهور قليلة.
- يرافق تعويم العملة ركودًا اقتصاديًا واضحًا.
- زيادة نسب البطالة في المجتمع.
- يلحق تعويم العملة الضرر بالمنتجين والمستوردين. حيث تنخفض نسبة الواردات، وتزداد بالمقابل نسب الصادرات السلعية.
- تنخفض قيم الثروات النقدية بالعملة المحلية، وهو ما يعرف بـ “تآكل الودائع المقوّمة بالعملات المحلية”، وبالتالي سترتفع فواتير تسديد ديون الدولة الخارجية.
- عدم استقرار قيمة النقد المحلي، مما يؤثر حقيقةً على النمو الاقتصادي للبلاد، وميزانيتها العامة.
- تأثر حركة صادرات البلاد، وذلك في حال تعادل سعر العملة المعومة مع العملات الأجنبية، وعدم ثبات سعر النقد المحلي. فارتفاع الأسعار المحلية بالنسبة للمستوردين الأجانب، سيخفض الطلب على الصادرات، وسيزيد الواردات. والعكس صحيح، ففي حالة انخفاض الأسعار المحلية بنتيجة انخفاض سعر العملة مقابل العملات الأجنبية، سيزداد الطلب على الصادرات، وتقل الواردات.
- السعي للاستثمار في خارج البلد طمعًا بتوفر فرص لاستبدال العملات المحلية بعملات أجنبية عديدة. وهذا سيؤثر بلا شك على ميزانية الدولة.
- تأثر الصناعة المحلية في البلاد بسبب تعرّضها للمنافسة على الواردات. وبالتالي سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض الحاجة لليد العاملة.
وفي الختام، وبعد التعرف على مخاطر تعويم العملة على الاقتصاد. يتبين لنا وجود الكثير من المخاطر التي هددت الاقتصاد من خلال تعويم العملة، الأمر الذي يحتم وجود رقابات شديدة من قبل حكومات الدول على البنوك التي تتبع تلك السياسة، ولا سيّما في الدول النامية.