يعدّ الاستثمار في القطاع السياحي جزءًا لا يتجزأ من الاستثمار الكلّي للبلد، لذا سنتكلم في مقالتنا هذه عن الاستثمار السياحي. لا يختلف الاستثمار السياحي عن أنواع الاستثمارات الأخرى في اهتمامه بتنمية وتطوير رأس المال المادي والبشري. والذي يعد جزءًا من العملية الإنتاجية والخدمية في النشاط السياحي. حيث أن الاستثمار السياحي هو ذلك الجزء من القابلية الإنتاجية الآنية الموجهة إلى تكوين رأس المال السياحي المادي والبشري، بغية زيادة طاقة البلد السياحية. على سبيل المثال، بناء الفنادق والمدن السياحية والجامعات والمعاهد السياحية، والبنى الارتكازية التي تدعم السياحة.
فالاستثمار السياحي هو القدرة الهادفة إلى تكوين رأس المال المادي وإعداد رأس المال البشري في المجال السياحي من أجل زيادة وتحسين طاقاته الإنتاجية والتشغيلية، وتقديم أفضل الخدمات في مجالات السياحة المختلفة، كالفنادق والمدن السياحية، ووسائل الترفيه المختلفة والطرق والنقل. فضلًا عن إعداد كادر سياحي متخصص.
بالإضافة إلى استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة وبأشكالها المختلفة لبناء طاقات إنتاجية جديدة والمحافظة على الطاقات الإنتاجية القائمة، وتوسيعها فضلًا عن جميع الإضافات إلى المخزون السلعي، وتعويض الاندثارات التي تصيب الطاقات الإنتاجية القائمة في النشاط السياحي، وبما يترتب عليه من زيادة مساهمة هذا النشاط في تكوين القيمة المضافة الإجمالية، وبالتالي زيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للمجتمع.
أهمية الاستثمار في مجال السياحة
تعتبر السياحة صناعة مركبة تتطلب استثمارات وخبرات فنية. فتطورها السريع وطبيعة الطلب السياحي وامتدادات هذا الطلب المباشر وغير المباشر إلى أكثر قطاعات الإنتاج القومي. تقتضي تهيئة تنظيم استثماري للسياحة على أساس مبرمج ومخطط. فالإنفاق على المشروعات السياحية هو إنفاق استثماري يحقق عائدًا سريعًا، فهي إحدى أسرع أنواع النمو، وصناعة تختلف عن أية صناعة اخرى لأنها تفيد عددًا كبيرًا من الناس، ونتائجها على الاقتصاد القومي هي الأخرى هائلة عن طريق ما تجلبه من عملة أجنبية وتشجيعها لسلسلة كبيرة من الصناعات السياحية وتقديم مجالات أوفر من العمل لأفراد كثيرين من الإداريين والفنيين والعمال المهرة وغير المهرة، ومجالات أخرى مشجعة عن طريق التخطيط والاستثمار في الفنادق، والخدمات السياحية، والتجهيز، والربح، والتسويق، والنقل.
أوصت المنظمات والمؤتمرات الدولية الحكومات بتسهيل وتشجيع الاستثمار العام والخاص في مجال السياحة في الدول النامية، وتشجيع الجهود المشتركة لكافة فروعها الاقتصادية التي تهتم بالسياحة بشكل مباشر أو غير مباشر كصناعة الفنادق، والإيواء التكميلي، ووكالات السفر، ووسائل النقل، والمواصلات باستثمار الأموال في المشاريع السياحية. كما طالبت الدول النامية بخلق الظروف الملائمة لتسهيل الاستثمارات القومية والأجنبية في مجال السياحة.
سمات الاستثمار في مجال السياحة
- ضخامة الأموال اللازمة للاستثمار في المشاريع السياحية لكون أغلبها يتضمن إنشاءات ضخمة عقارية وأبنية حديثة ذات تكاليف عالية، تضم كلفة الأراضي السياحية وكثرة المضاربين عليها، والاعتناء بواجهة المنشآت والفنادق والأثاث والديكور، مما يزيد من تكاليف الاستثمار.
- طول فترة إنشاء المشروع السياحي نسبيًا، إذ تصل إلى عدد من السنوات في الدراسة والإنشاءات والدعاية والترويج. حتى يؤتي المشروع ثماره ويبدأ بإعطاء العائد. مع العلم يتطلب ذلك استيراد الكثير من المستلزمات التي لا تتوفر في السوق المحلي. وذلك مع تعرضها إلى مخاطر عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي محليًا وعالميًا.
- تأثر الاستثمارات السياحية بظاهرة الموسمية، حيث أن موسمية الطلب السياحي تؤدي عدم إمكانية تحقيق معدلات مرتفعة من الأشغال على مدار السنة، ومن ثم عدم تمكنها من تحقيق أرباح مرتفعة.
- يمتاز المشروع السياحي باعتماده الكثيف على عنصر العمل، فهو يعد جزءً من القطاع الخدمي، إذ يبقى عامل الخدمة هو الأساس في تقديم الخدمة السياحية.
- يؤثر الاستثمار السياحي بشكل كبير على فائض الصادرات، فنجاح السياحة يعني ضمان تحقيق الطلب السياحي الأجنبي الوافد الى البلد، مع تقليل الحاجة لسفر المواطنين للخارج، مما يؤدي إلى تحقيق المزيد من العوائد السياحية مع تخفيض النفقات السياحية، مما يحافظ على العملة الصعبة، ودعم التجارة الخارجية، وميزان المدفوعات.
- يتأثر المشروع السياحي بشكل كبير بالبيئة المحيطة به وهي:
- السياسية والأمنية، فالمشاريع السياحية حساسة جدًا للأحداث الأمنية والسياسية.
- الاقتصادية، إذ ترتفع نسب الإشغال والتشغيل في فترات الرخاء، والذروة السياحية، وتحسن الوضع الاقتصادي على عكس موسم الكساد.
- الاجتماعية، فهناك بيئة منفتحة اجتماعيًا ودينيًا داعمة للاستثمار السياحي، وهناك بيئة تعارض إقامة المشاريع السياحية وتضع الشروط في إقامتها، إلا في مجالات خاصة كالسياحة الدينية.
- للاستثمارات السياحية نتائج إيجابية تنفرد بها عن باقي الاستثمارات، نتيجة لاعتماد هذه الصناعة وبشكل كبير في سد مستلزماتها الإنتاجية من النشاطات الاقتصادية الأخرى.
مجالات الاستثمار السياحي
- مجال الإيواء السياحي: ويشمل الفنادق، والدور السياحية، ودور الاستراحة المجمعات السياحية، والمدن والقرى السياحية، والشقق السياحية والمخيمات السياحية.
- مجال اللهو والترفيه: ويضم الكازينوهات والمقاهي والمطاعم السياحية والحدائق العامة ومراكز وصالات الرياضة الترويجية المختلفة وصالات الألعاب الإلكترونية والمسابح، إضافة الى مجال السياحة المتنقلة من خلال العديد من الفعاليات كالسيرك والفرق الموسيقية، وكذلك الفعاليات الفنية والمعارض والمهرجانات المتخصصة.
- إنشاء وتطوير المراكز الثقافية: ويضم المتاحف، والمكتبات، وقاعات العرض والمسارح والسينما، والمنتديات الثقافية، والمهرجانات الفنية، والمهرجانات الشعرية والمسابقات الفنية والإدارية.
- مجال الآثار والمخطوطات: فمن الضروري إجراء مسح شامل بجميع الأماكن والنقاط الأثرية في البلد، وتيسير عملية الوصول إليها، بالإضافة إلى منع جميع النشاطات التي تخالف عملية الحفاظ عليها مع ضرورة العمل الجاد على حمايتها، وتوفير الوسائل الكفيلة بالاطلاع عليها كأفلام الصوت لتوضيح معالمها التاريخية وبلغات متعددة
- المواقع الدينية: ضرورة الاهتمام الجاد بالحفاظ على قدسية هذه المواقع، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بقدوم الوافدين من الأجانب. فضلًا عن ضرورة الاهتمام بالمناطق المحيطة بها. وإعداد الأفلام الوثائقية المميزة لجميع المواقع الدينية ومحاولة إيصالها إلى أوسع رقعة جغرافية ممكنة على مستوى العالم.
- مجال المصايف والمشاتي: يعد أحد أهم الفرص الاستثمارية والمجالات المتاحة. حيث أثارت إحدى الدراسات السياحية المتخصصة إلى أن سياحة الاصطياف بمفردها تشكل بحدود (71%) من مجمل الطلب السياحي العالمي.
- مجال المسابقات الرياضية لمختلف أنواعها ومجالاتها ومستوياتها سواء كانت على المستوى الدولي أو الإقليمي أو العالمي.
- إنشاء وتطوير المراكز الصحية المتطورة. سواء كانت تلك التي تكون متخصصة بعلاج الحالات المرضية النادرة، أو متخصصة بالعلاج الطبيعي، أو العلاج النفسي، بما في ذلك مراكز للاستشفاء بالمياه المعدنية، أو بالرمال الحارة، وكذلك تلك التي تكون متخصصة بالتداوي بالأعشاب.
- مجال الترويج والإعلام والتسويق السياحي: وتضم مكاتب الاستعلامات والمكاتب والشركات السياحية.
- مجال صناعة السلع والتحف والمواد والأجهزة التي تخدم النشاط السياحي. على سبيل المثال، النحاسيات، والذهب، والفضة، وحفر الخشب، وبعض الأدوات المنزلية والبسط ذات النقوش الجميلة.
العوامل المؤثرة في الاستثمار السياحي
- مساهمة الحكومة في تنشيط القطاع السياحي، من خلال التخصيصات الاستثمارية لهذا القطاع. فضلًا عن دور وإمكانية الحكومة في دعم النشاط السياحي، وتذليل الصعوبات أمام هذا النشاط.
- المساهمة في حل مشكلة البنى التحتية أو التكميلية التي تقف في وجه العمل السياحي مباشرةً. والتي يصعب على القطاع السياحي القيام بها لوحده. على سبيل المثال، الكهرباء والماء والطرق والأمن.
- منح القروض طويلة الأجل وبفائدة منخفضة.
- إصدار القوانين والتشريعات المشجعة لعملية الاستثمار سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي. متمثلةً في المزايا والإعفاءات، وقوانين العمل، والضرائب، وحرية تحويل الأرباح، وأصل الاستثمار بالنسبة للمستثمرين الأجانب إلى الخارج.
- مساهمة الدولة في الأرض التي يقام عليها المشروع السياحي، إذا كانت ملكية الأرض تعود إليها. وهذه المساهمة تتم من خلال إما تأجيرها لمدة طويلة بأجور رمزية أو بيعها لمالكي المشروع بأثمان منخفضة
وأخيرًا، يعتبر الاستثمار السياحي من أهم العوامل الجاذبة للسياح. وذلك من خلال توفير أنواع عديدة من الخدمات والمرافق بمستوى عالي من الكفاءة. كما تمتاز صناعة السياحة بارتباطاتها القطاعية المختلفة الكثيفة مع باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى. وبذلك فان السياحة لا تؤثر في الفعاليات السياحية فحسب، وإنما يمتد أثرها الى معظم فروع الاقتصاد القومي.