حوكمة الشركات وتأثيرها على سوق الأسهم، فالحوكمة هي إطار قواعد وممارسات يَضمن من خلاله مجلس الإدارة تحقيق النزاهة والمساءَلة والشفافيّة في علاقة الشركة مع جميع المساهمين أي (الممولين والعملاء والإدارة والمجتمع والحكومة والموظفين).

يتكوّن هذا الإطار من عقود صريحة وضمنية بين الشركة وأصحاب الأسهم لتوزيع المسؤوليات والحقوق والمكافآت. وإجراءات لتوفيق المصالح المتضاربة في بعض الأحيان للمساهمين. وفقًا لامتيازاتهم وأدوارهم وواجباتهم، إضافة إلى إجراءات للإشراف والرقابة وتدفق المعلومات.

الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تتصدر مشهد الاستثمار

تصف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، والتي تعرف اختصارًا بالإنجليزية بـ ESG. المجالات الثلاثة الرئيسية ذات الاهتمام التي تم تطويرها لتكون العوامل الرئيسية لقياس الاستدامة والتأثير الأخلاقي للاستثمار في الشركة أو الأعمال التجارية. وفي إطار تلك المجالات الثلاثة، هناك مجموعة كبيرة من الاهتمامات التي يتم تضمينها بشكل متزايد ضمن إطار العوامل غير المالية التي تظهر في تقييم حق المساهم والعقارات والمؤسسات التجارية وكل استثمارات الدخل الثابت.

ويعد مصطلح الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هو المصطلح الشامل للمعايير المستخدمة فيما أصبح يعرف باسم الاستثمارات المسؤولة من الناحية الاجتماعية.

تأثير كورونا

أبرزت جائحة كوفيد-19 أهميّة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG. وزادت من توقعات توجيه الاستثمارات لهذه المجالات حول العالم. ورغم أن هذه المجالات كانت تحظى باهتمام لدى مديري الأصول في أوروبا. فإنّ تزايد القلق بشأن القضايا المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، يزدَاد وينتشر بشكل أكبر حول العالم. بِمَا في ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، حيثُ يتماشى هذا التوجه مع العديد من الرؤى الحكومية التي تولي هذه الأبعاد أهمية قصوى.

ولوحظ وجود ارتفاع في الطلب على الشفافية في الإفصاح عن البيانات والمعلومات. مما بات يدفع مديري الأصول لدمج تحليل الحوكمة ESG بشكلٍ أكبر في أعمالهم وفي بناء المحافظ الاستثمارية. وفي الوقتِ نفسه، نتوقع أن تدفع جائحة كوڤيد-19 الاستثمار إلى اعتماد مبادئ الجودة عالمياً. خاصة الشركات صاحبة الميزانيات الكبيرة والقوية والمعروفة بقواعد حوكمة جيدة. وهو ما سيكون محفزا للاستثمار في أنظمة الحوكمة ESG.

قواعد ثابتة

وتوجد قاعدة مفادها أن الشركات الكبيرة تستطيع الحفاظ على نمو أرباحها. حتى عندما تعصف الرياح بالاقتصاد على المستوى الكلي. والتي تتضمن ظهور الأوبئة العالمية. فالالتزام بمعايير جودة الأداء هو باستمرار سبيل المستثمرين وملاك الأسهم للتخفيف من المخاطر أيّاً كانت. كما أنّ هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أن الشركات ذات معايير الحوكمة ESG عالية الجودة تتفوق على المدى الطويل.

بحيث تعني زيادة اعتماد الحوكمة ESG في أداء الشركة تقوية التعاون بين الشركات والمستثمرين. سواءً كان هذا مدفوعاً بتوقعات المجتمع أو إدراك أن هذه المجالات يمكن أن تضيف إلى العوائد. وينعكس ذلك إيجابياً على كل من استدامة المحافظ الاستثمارية واستدامة كوكب الأرض على السواء.

وإذ تتزايد احتمالات تغير المناخ بشكل أكبر في المستقبل، سيصبح من الأهمية بمكان بالنسبة للشركات والمستثمرين المؤسسيين وشركات إدارة الأصول الإجابة على سؤالين رئيسيين:

1) كيف يؤثر عملي أو استثماري على البيئة.

2) كيف تؤثر البيئة على عملي أو استثماري.

ومن المرجح أن يسرع هذا من الاستثمارات في الطاقة المتجددة. ويزيد تركيز المستثمرين على مرونة البنية التحتية – الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات –. ممّا يدفع إلى تغيير تكوين المحافظ الاستثمارية.

حوكمة الشركات وتأثيرها على سوق الأسهم

حوكمة الشركات وتأثيرها على سوق الأسهم. لا أحد ينكر دور المحاسبة والمراجعة في تطبيق قواعد حوكمة الشركات وفي تطوير سوق الأسهم وسوق الأوراق المالية. لذلكَ توجد ضرورة لوجود الإجراءات القانونية التي تلزم لحماية حقوق المساهمين بالشركة. وضرورة الالتزام بمقاييس المراجعة والمحاسبة لأنها تُحقق مبادئ الشفافية في عملية إعداد القوائم المالية ولا نَغفل عن دورِها في حمايةِ حقوقِ كل أصحاب المصالح بالشركات المساهمة والّذي ينعكسُ إيجابياًّ علي حركة سوق الأسهم وكل أسواق المال.
ينتج عن هذه الأزمات المالية والانهيارات آثار سلبية. أهمُّها انعدامُ الثّقة في سوقِ الأوراقِ المالية وعزوفِ المستثمرين عن الاستثمار بها وانعدامِ الثقة في المكاتب المختصة بالمحاسبة والمراجعة بسبب فقد الثقة في جودة المعلومات المحاسبية التي تحتويها القوائم المالية لمختلف الشركات.

وهناك دورٌ للمديرين وللمراجعين في تنفيذ آليات حوكمة الشركات علي جودة التقارير المالية لكي تؤدي مبادئ حوكمة الشركات دورها. وذلك بتطبيقها علي الوحدات الاقتصادية، وبالتأكيد يوجد دور لعمليات المراجعة الداخلية وللجان المراجعة في إنفاذ سياسات الحوكمة وفي تأكيد الجودة للتقارير المالية. إلى جانب أهميّة القواعد الأخلاقية في هذا المجال.

وعلى سبيل المثال، وضعت سوق الأسهم في نيويورك في عام 2003م المعايير التي تخص حوكمة الشركات. وأشارت إلي أهمية تفعيل دور الرقابة للمساهمين عن طريق المشاركة بجميع القرارات الأساسية التي تتخذها الشركة.
وطبقا لذلك يمكننا القول بأن الرقابة المحاسبية التي تنتهجها حوكمة الشركات تأخذ اتجاهين رئيسين:

*أولهما، الرقابة الرأسية أي الرقابة من المستويات الإدارية العليا مثل الرئيس التنفيذي وأعضاء مجلس الإدراة على المستويات الإدارية الأدنى.
*ثانيهما، الرقابة الأفقية أي الرقابة التبادلية بين مجلس الإدارة وبين المساهمين وأصحاب المصالح في الشركة المساهمة.

تطورٌ سريع

تطور الاهتمام بالاستثمار في مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG في السنوات الأخيرة. لذا يتبنى مديرو الأصول والمستثمرون مناهج مختلفة في الحصول على بيانات ESG الخاصّة بهم. ابتداءً من التعاقد مع موفري الجهات الخارجية، إلى دمج متخصصي ESG إلى فرقهم. وغالباً ما يلجأ مديرو الأصول إلى الخيار الأخير بسبب ما يمكن أن يحققه من حفاظ على النجاح المستمر لشركات المحافظ.

وفيما يتعلق بالبيانات، نتوقّع أن نرى تحسناً ملموساً في جودتها واتّساقها، حيثُ تعزز البورصات والهيئات التنظيمية متطلبات الإفصاح عن البيانات. ويجبر ذلك الشركات على تحسين نطاق ودقة المعلومات الّتي تقدمها، والانتقال من التركيز على البيانات الكمية إلى النوعية. كَما سيرغب المستثمرون في فهم وتطبيق مبادئ استدامة استراتيجيات الشركات والتحسينات التي يمكن أن تقدمها هذه الشركات لتعزيز قيمتها.

مستقبل الحوكمة

ستقوم قواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بِتغيير قواعد لعبة الاستثمار. ليس فقط كوسيلة ولا لإدارة المخاطرِ أيضاً، ولكن لزيادةِ العوائد. فيتعيّن على الشركات عرض كيفية حماية بيانات العملاء، وإعطاءُ الأولوية للاستدامة البيئية. وتعزيزِ ثقافة الموظفين الجيدة والحفاظ على المعايير بين سلاسل التوريد الخاصة بهم. فكلُّ هذا سيتردد صداه مع المستهلكين، وبالتّالي يحقق ربحية ويصب في مصلحة المستثمر.

من المتوقع أن تبدأ المؤسسات في تحديد قواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG. التي يجب على مؤسسات التمويل الالتزام بها في إدارة المحافظ الاستثمارية خلال السنوات القليلة القادمة. وإلى جانب العناية بمتطلبات الأداء التقليدية. قد يتطلب الأمر اتفاقَ شركاء الاستثمار على تخصيص ميزانية تستجيب لهذه القواعد والعمل في إطارها. أو إعادة النظر في إدارة مجموعة من الشركات التي تحقق الحد الأدنى من درجات ESG. أو بِناء محفظة ذات آثار بيئية أو مجتمعية محددة. وبينَما تجري كل هذه الحوارات في قطاعات واسعة من منطقة الخليج وأوروبا. سَوف تشهدُ الأعوام القادمة اتّساع للقلق والجدل بشأن قضايا الحوكمة ESG مع الظروف الحالية داخل الحكومات والمجتمعات في جميع أنحاء آسيا والولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً : أبرز الشركات العالمية التي تتعامل بالبيتكوين