انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح الاستحواذ وأصبح شائع الاستعمال بين حيتان التجارة وأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المعامل والشركات الكبرى. وفي إطار الصراعات القائمة بين رؤوس الأموال، تتخذ الشركات مكانها متأهبةً لبدء معركة المنافسة بينها. مما يودي بها إلى البحث عن السبيل الأفضل للإطاحة بمنافسيها جميعًا. وهنا تبدأ رحلة وضع الخطط الاستراتيجية لإضعاف الخصم والذود بحصته في السوق. فيكون الربح من نصيب الشركة الأقوى والتي تستطيع أن تتحكم في السوق بشكل أكبر، فتضعف الشركات الأخرى، وتتمكن من شلّ قدراتها التجارية. وقد يصل بها الأمر حد السيطرة على الشركة المنافسة بشكل كامل. فما هي تبعيات هذا الأمر على كلتا الشركتين؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا التالي عن مفهوم الاستحواذ.
مفهوم الاستحواذ
يندرج هذا المصطلح تحت بند من بنود علم الاقتصاد والتجارة والأعمال. ويتمثل في سيطرة إحدى الشركات على شركة أخرى منافسة لها سيطرةً ماليةً وإداريةً؛ كما تسيطر على نشاطها الاقتصادي. يتم ذلك من خلال شراء الشركة المُستحوِذة جميع أسهم الشركة المُستحوَذ عليها أو شراء جزء منها بنسبةٍ تصل إلى أكثر من 50%. فتصبح تبعيتها إلى الشركة الأم والتي تصبح مخوّلة بإقالة مجلس الإدارة وتعيين مجلس آخر متى تشاء. بالإضافة إلى أحقيتها في إصدار القرارات وتعديل قوانين الشركة.
والملفت للانتباه أن الاستحواذ يحدث بموافقة الشركة أو بدون موافقتها طالما أنها طرحت أسهمها للتداول. ويتمثل هدف الاستحواذ في توسيع النشاط التجاري للشركة المُستحوذ عليها والسيطرة على الحصة الأكبر في السوق الدولية والعالمية. كما يمكن أن تكون النية من الاستحواذ عدائية بهدف تدمير اقتصاد الشركة وإفلاسها لتبقى الساحة فارغةً أمام الشركة المستحوِذة لتسويق منتجاتها وطرحها في السوق الدولية دون منافس. وكمثال على ذلك استحواذ شركة أوراكل على شركة بيبول سوفت.
أنواع الاستِحواذ
استِحواذ شراء الأسهم
يتمثل هذا النوع من الاستِحواذ بشراء الشركة المستحوِذة أكثر من 50 بالمائة من أسهم الشركة المستحوَذ عليها. فلا يؤثر هذا النوع من الاستحواذ على النشاط الاقتصادي للشركة بشكل مباشر، وإنما يهدف لنقل ملكية معظم أسهمها وإدارتها إلى الشركة المستحوِذة.
ومن أهم إيجابيات هذا النوع من الاستحواذ بالنسبة للبائع هو انخفاض قيمة الضرائب بسبب انخفاض نسبة الأسهم التي يملكها في الشركة. بينما تعود إيجابيات هذا النوع على الشاري في الاستحواذ على غالبية الأصوات في مجلس الإدارة. أما عن السلبيات فالجدير بالذكر أن الشاري يرث الأوضاع القانونية للشركة وهذا ما يجلب له الكثير من المتاعب.
استحواذ شراء الأصول
في هذا النوع من الاستحواذ يمكن للمشتري تحديد الأصول (البنود) التي يريد شراءها. وكي لا يضطر للتعرض لأي مساءلة قانونية بسبب الوضع القانوني للشركة قبل شراء أسهمه فيها. لذلك تكون هذه الطريقة هي المفضلة لدى مشتري الأسهم، كونه يتمكن من استبعاد الأسهم التي لا يريدها.
تمويل عمليات الاندماج والاستحواذ
يجري تمويل عمليات الاستِحواذ بطرق مختلفة تتمثل في:
- التمويل النقدي: تعد الصفقات النقدية ملائمة أكثر خاصةً في فترات الركود وميل أسعار الفوائد إلى الانخفاض.
- القروض: تتم من خلال الاقتراض من أي بنك أو مصرف أو من خلال إصدار أسهم ومستندات. أو بدلًا من ذلك تتم بمنح أسهم من أسهم الشركة المستحوِذة كتعويض لإكمال العملية.
- التمويل المختلط: يتمثل بتأمين جزء نقدي وجزء بالدين، أو جزء نقدي وجزء بالأسهم.
عمليات استِحواذ شهيرة
استحواذ شركة Google على Android
قبل عام 2005 كانت أندرويد شركة هواتف محمولة مستقلة، لتقوم شركة جوجل في ذلك العام بالاستحواذ عليها مقابل 50 مليون دولار. وقد استطاعت جوجل استثمار نظامها للهواتف المحمولة بشكل منقطع عن عملها.
استحواذ شركة فيسبوك
قامت فيسبوك خلال الفترة من 2012 إلى 2014 بعدة عمليات استحواذ شهيرة لتتمكن من خلالها من السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي. فاشترت واتساب بقيمة 19 مليار دولار، وانستغرام مقابل مليار دولار، واشترت أوكيولوس في أر بمليار دولار.
مزايا عمليات الاستِحواذ على الشركات
من مزايا الاستحواذ على الشركات أن يمكن للشركات أن تعزز تدفقات الإيرادات وحصتها في السوق، أو توسع قاعدة منتجاتها، أو تزيد من وجودها الدولي من خلال الاستيلاء على الشركات. ومن أبرز مزايا الاستحواذ على الشركات:
- النمو الدولي: يمكن للشركات أن تتيح منتجاتها أو خدماتها على مستوى العالم من خلال الاستحواذ على الشركات في مواقع مختلفة على الصعيد الدولي. على سبيل المثال، استولت شركة بلجيكا للتخمير انييف على شركة بودويزر مقابل 52 مليار دولار عام 2008 لتوسيع وجودها في السوق الأمريكية. وإنشاء واحدة من أكبر شركات المشروبات الاستهلاكية في العالم. ونتيجة عملية الاستحواذ هذه، ارتفعت أرباع الشركة بنسبة 11% عام 2001.
- تنوع المنتجات: يؤدي الاستحواذ إلى توسيع مصادر الإيرادات وتنويع المنتجات. ومن الأمثلة على ذلك، استيلاء كرافت على كادبوري عام 2010 مقابل 19.5 مليار دولار. وقد تنوعت عملية الاستحواذ بين خط حلوى كرافت وأكثر من 40 علامة تجارية، وزيارة الإيرادات والمبيعات؛ فضلًا عن الوجود الدولي للشركة، خاصة في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من أن تكاليف الاندماج في عملية الاستحواذ كانت أكثر من المتوقع بسبب أسعار السلع الأساسية، حيث انخفضت الأرباح الإجمالية لشركة كرافت، إلا أن مبيعات الشركة من سلع كادبور تزايدت بنسبة 30% وزادت مبيعاتها في الأسواق الناشئة بنسبة 74%.
- إعادة هيكلية الشركات: في بعض الأحيان، تتولى شركةٌ شركةَ أسهم خاصة ذات أداء أقل أو شركة ذات قدرة على النمو من أجل إعادة هيكلية الأعمال لجعلها مريحة. وتعتزم شركات الأسهم الخاصة الأخذ بسلسلة البيع بالتجزئة إلى المستوى التالي من خلال استثمار الأموال لتوسيعها على الصعيدين الوطني والدولي.
- التوسع: في بعض الأحيان، تتولى الشركات زمام الأمور في شركات أخرى تواجه مشاكل كاستيلاء شركة الخدمات المالية ويلز فارجو على واكوفيا عام 2008 مقابل 15 مليار دولار. وتولت ويلز فارجو زمام الأمور في البنك الذي كان يواجه خسائر فادحة من قروض الرهن العقاري. وقد استطاعت ويلز فارجو زيادة إيراداتها وتوسيع أعمالها بشكل كبير.
وفي الختام، يمكن القول أن تبعيات عمليات الاستحواذ غالبًا ما تكون إيجابية إذا ما رغبت الشركات في تطوير أعملاها وإعادة إحياء اسم شركة سابقة. ليعيد إلى أذهان الناس أيامًا خلت من الثراء التجاري للشركة. ويبثّ فيهم الرغبة في تجربة جديد هذه الشركة ومنحها بعض الثقة مجددًا.