أثر تطور الطرق المستخدمة بتربية دودة القز في اليابان بشكل إيجابي على إنتاج الحرير واستعماله. فقد كان لها تاريخها الخاص والمميز في التعامل مع دودة القز وصناعة الحرير. وبالرغم من شِهرت الصين بتربية دودة القز وتصديرها للعالم إلّا أنّ اليابان أصبحت أكبر مُصدّر للحرير في العالم. إذًا ما سر هذا التطور الكبير في تربية دودة القز ضمن الأراضي اليابانية؟

تاريخ دودة القز في اليابان

بدأت تربية دودة القز في الصين، وكان الحرير الصيني يعرف بجودته العالية. احتفظت الصين بطرق تربية دودة القز وجعلته إرثًا لها، حيث كان سرًا كبيرًا بين تجار الحرير الصينين. وصل الحرير لليابان بسبب طريق الحرير، فاهتم اليابانيّون بهذا الأمر. ولاقى انتشارًا واسعًا بينهم، بسبب غنى اليابان بشجر التوت الذي يُعدّ الغذاء الأمثل لدودة القز.

ومن هنا بدأت رحلتهم بالتعرف على دودة القز، وطرق تربيتها والعناية بها، وكيفية صنع الحرير وصبغه. وبالرغم من ذلك استمرت اليابان باستيراد الحرير الخام من الصين، حيث كان الحرير الياباني أقل جودة من الحرير الصيني.

فترة إيدو وتربية دودة القز في اليابان

تُعدّ فترة إيدو نقلًة نوعيًّة في تربية دودة القز، حيث كانت اليابان في هذه الفترة من أكبر المستوردين للحرير الصيني. وكانت البلاد على وشك الدخول بأزمة اقتصاديّة، بسبب دفع الكثير من الذّهب والفضّة مقابل شراء الحرير.

ومن هنا جاء اهتمام اليابان بتربية دودة القز وابتكار طرق دقيقة لإنتاج الحرير، مما أدى لارتفاع جودة الحرير الياباني وازدهاره. وبدأت اليابان بتصدير خيوط عالية الجودة. كما عالجت الشرانق التي لا يمكن تحويلها لخيوط حرير خام، وحولتها إلى قطن يُحاك ويُباع في البلاد مقابل مبالغ نقدية.

دودة القز ضمن فترة مييجي في اليابان

ازدهرت اليابان في فترة مييجي بتربية دودة القز وكانت الأولى عالميًا، حيث شكل الخيط الخام المستخرج من دودة القز ركيزةً للاقتصاد الياباني. وخاصة في تلك الفترة، حيث أصيبت ديدان القز في أوروبا بمرض أدّى لوفاة عدد هائل منهم حتى كاد أن ينفذ الحرير لديهم. كما هدّدت حرب الأفيون الاقتصاد الصيني آنذاك، فلم تعد قادرة على تربية دودة القز.

وبسبب ذلك تفرّدت اليابان بتربية دودة القز واستخراج الخيوط والتجارة بها. كما امتلكت اليابان في تلك الفترة تقنيات عالية الدّقة للاهتمام بدودة القز وتربيتها. ولعل من أهم الأمور التي حدثت في تلك الفترة بناء مصنع توميوكا الذي اهتمّ بجودة الحرير واستخراجه من دودة القز. وبسبب تلك التقنيات الحديثة لتربية ولفّ دودة القز، شكلت خيوط الحرير ما يقارب 80% من إجمالي الصادرات في اليابان.

ابتكارات يابانية لدودة القز

ابتكرت اليابان تقنيات حديثة ومفيدة لتربية دودة القز، وأثرت بشكل كبير على صناعة الحرير في العالم. كما نشرت ثقافة هذه التربية والأدوات المستخدمة فيها، وإليك أهم ابتكاراتهم:

  • منشأة أرافوني للتخزين البارد: إذ تعتبر هذه المنشأة بمثابة ثلاجة طبيعيّة لصناعة الحرير، حيث يُبرّد بيض دودة القز لمنعه من الفقس، مما يؤدي لإنتاج الحرير عدة مرات في السنة بدلًا من مرة واحدة. تقع منشأة أرافوني بين الجبال النائية والغابات، وهي من أكبر كهوف الرياح في غونما.
  • مصنع توميوكا للحرير: وهو من أهم مواقع التراث العالمي حاليًا نظرًا لأهميته التاريخية وبنائه وأدواته. جهز المشرفون المصنع بآلات غزل مستوردة من أوروبا، ثم طوّروها لاحقًا لتناسب المناخ الياباني. كما عملوا على مراقبة جودة الحرير المنتج، ووظفوا الكثير من اليابانيون للعمل أو التعلم في المصنع. وبهذا تقدّمت اليابان واحتلّت المرتبة الأولى بتلك الفترة.
  • مدرسة تاكاياماشا: فتحت مدرسة تاكاياماشا أبوابها لجميع الطلاب، وأتاحت فرصًا كبيرًة للتعرف على تربية دودة القز خاصًة لمن يعيشون في المزارع الفقيرة. كما غطّت تكاليف تعليم الطلاب وأمّنت لهم معيشتهم، وساهمت بتطور مصانع تربية هذه الدودة، ومزج الطرق الحديثة لتربيتها.
  • متحف كاتاكورا للحرير: يمكن لزائر متحف كاتاكورا مشاهدة المعدّات المستخدمة في تربية دودة القز، كما أنه يعمّق فهم الزائر لكيفية إنتاج الحرير وطبيعة حياة هذه الدودة الفريدة. إذ افتتح هذا المتحف تخليدًا لتاريخ دودة القز في اليابان، والحفاظ على إرث اليابانيين الأجداد.

بالرغم من تقدّم اليابان ودخولها في عالم التكنولوجيا، إلّا أنها إلى يومنا هذا تهتم بتربية دودة القز. فهناك تقليد إمبراطوري بدأ بعصر الإمبراطورة اليابانيّة الأم شوكين، ومازالت تقام مراسم الاحتفال به حتى الآن. ولعل أكثر ما يبرهن قيمة هذه الدودة عند الشعب الياباني، وجود مستعمرًة لتربية دودة القز واستخراج الحرير الطبيعي في القصر الإمبراطوري في طوكيو، وذلك بغرض ترميم المنسوجات القديمة ذات القيمة التاريخية التي تخص العائلة الإمبراطورية.