من أبرز سمات العصر الحديث هي التنافسية كحقيقة واقعة لتحدد نجاح أو فشل الشركات، بحيث أصبحت الشركات يتحتم عليها العمل الجاد المستمر لاكتساب المزايا التنافسية والحفاظ عليها لتحسين موقفها السوقي وقدرتها على مواجهة المنافسين الحاليين والمرتقبين.
الميزة التنافسية ومحدداتها الأساسية
لا يوجد تعريف متفق عليه للميزة التنافسية، وذلك نظراً لاختلافها باختلاف طبيعة القطاع محل الدراسة، ونظراً لأن البحث يتطرق للدراسة على مستوى الاقتصاد الجزئي فعلى مستوى الشركة يمكن تعريف الميزة التنافسية بأنها “ميزة أو عنصر تفوق للمؤسسة يتم تحقيقه في حالة اتباعها لاستراتيجية معينة للتنافس”.
تعريف الميزة التنافسية
وتعرفها بأنها “القدرة على إنتاج السلع والخدمات بالنوعية الجيدة والسعر المناسب وفي الوقت المناسب، وهذا يعني تلبية حاجات المستهلكين بشكل أكثر كفاءة من المنشآت الأخرى”.
أو أنها “هي التي تنشأ بمجرد توصل المؤسسة إلى اكتشاف طرق جديدة أكثر فعالية من تلك المستعملة من قبل المنافسين”.
ومن التعريفات السابقة يلاحظ أن التعريف الأول ينصب على استراتيجية التنافس ودورها في تحقيق التميز، بينما يركز التعريف الثاني على الجودة في الإنتاج والسعر وفي تلبية احتياجات المستهلكين، والثالث يركز على الإبداع ودوره في التميز على المنافسين، ويمكن القول في هذا السياق أن الميزة التنافسية يمكن أن تكون مزيج من التعريفات الثلاثة السابقة، وبالتالي يمكن تعريفها بأنها “عنصر التفوق للمنظمة الذي ينشأ من اتباعها لاستراتيجيات مبتكرة تهدف إلى تلبية احتياجات العملاء بطريقة أفضل من طرق المنافسين”.
أنواع المزايا التنافسية
لكي تحقق الشركات التميز يمكنها إتباع إحدى هاتين الاستراتيجيتين:
أ– استراتيجية الريادة في التكلفة:
حيث تتميز بعض الشركات بقدرتها على إنتاج أو بيع نفس المنتجات بسعر أقل من المنافسين، وتنشأ هذه الميزة من قدرة الشركة على تخفيض تكلفة منتجاتها أو خدماتها مع المحافظة على جودة المنتج.
ب – استراتيجية التمايز:
وتعني تميز الشركة بقدرتها على إنتاج منتجات أو تقديم خدمات متميزة لها قيمة لدى العملاء وتتفرد به عن المنافسين، أي تستطيع من خلالها العمل على جذب واستقطاب أكبر عدد من العملاء.
وفي هذا الصدد أول أنه حتى يكون للميزة التنافسية فعالية فلابد أن تتيح للشركة التفوق على المنافسين، وأن يصعب تقليدها مع ضرورة ضمان استمراريتها.
والتميز يتمثل من وجهة نظري في قدرة الشركة على تقديم منتج أو خدمة يصعب تقليدها من قبل المنافسين، ومن ثم استقطاب أكبر عدد من العملاء وزيادة النصيب السوقي للشركة مقارنة بالمنافسين، وكذلك في تحسين اتجاهات العاملين والصورة الذهنية الخارجية تجاه الشركة.
مصادر الميزة التنافسية
هناك عدة مصادر يمكن أن تتفوق الشركة من خلالها ومنها:
- الابتكار والذي يعني التحسين المستمر بإدخال الأفكار الجديدة دائماً على المنتج أو الخدمة المقدمة، مما يضمن استمرارية الشركة في التنافس.
- ب- الوقت حيث يعتبر الوقت سواء في إدارة الإنتاج أو في الخدمات ميزة تنافسية كبيرة في الآونة الأخيرة، ويتحقق ذلك من خلال تخفيض زمن دورة تصنيع المنتج، وتخفيض زمن الانتظار الذي يقضيه العميل من وقت طلب المنتج أو الخدمة إلى وقت تلبيتها.
- ج- المعرفة والتي يقصد بها الخبرة والتجارب المتراكمة لدى الأفراد العاملين في الشركة.
وإن جوهر هذه العناصر يتمثل في رأس المال الفكري الذي هو محور الدراسة الحالية، وبالتالي سوف أتناول فيما يلي رأس المال الفكري من الناحية التنافسية….
آليات تحقيق الميزة التنافسية من خلال رأس المال الفكري
في بيئة الأعمال الحالية المبدأ الثابت هو التغير، وحيث القاعـدة الوحيدة في النمو والتطـــور هي المنافسة وتنوع إستراتيجيتها ومداخلها وأساليبها، وحيث تزداد في هذه البيئة الشركات بشكل لم يسبق له مثيل، وتتحول الأسواق، وتتطور التكنولوجيا، وتتقادم المنتجات، وتتغير العمليات بسرعة فائقة، فالعالم يعيش اليوم عصر المعرفة،وقد كان من أخطر آثار العصر الجديد هو بروز التنافسية كحقيقة أساسية تحدد نجاح أو فشل منظمات الأعمال بدرجة غير مسبوقة، وسمات وملامح وآليات ومعايير هذا العصر تختلف جذرياً عن كل ما سبقه، وتفرض بالتالي على كل من يعاصره ضرورة الأخـــذ بالمفاهيم والآليات الجديدة والمتجددة، وتشكل الموارد التي تقوم على المعرفة في البيئة الحالية المصدر الأساسي والحقيقي لاستمرارية الميزة التنافسية للمؤسسات.
بناء المجتمعات الحديثة
وترى إحدى الدراسات أن بناء المجتمعات الحديثة وتطويرها يعتمد إلى حد كبير على تنمية مواردها البشرية في قطاعات العمل الإقتصادية والإجتماعية المختلفة، بإعتبار أن الإنسان وسيلة التنمية وأداتها وغايتها، وقد إزدادت أهمية العنصر البشري في الجهود التنموية في العقود الأخيرة في ضوء التطورات المذهلة في العلوم والمجالات الحياتية المختلفة وفي تقنيات المعلومات والإتصالات الحديثة، فانتقل بذلك مركز الثقل للنمو الإقتصادي والإجتماعي إلى عنصر المعرفة والموارد البشرية بدلاً من الموارد المادية والمالية.
المؤسسات الإقتصادية المعاصرة
ومن هنا أصبحت المؤسسات الإقتصادية المعاصرة مبنية على العلم والمعرفة أو على المعلوماتوإن ذلك فرض عليها إتباع إدارة الأداء وبطرق مختلفة عما كان سائداً في الماضي، وذلك عن طريق إنتهاج مجموعة من مداخل التطوير والتحسين، ويعتبر الإستثمار في المجالات المعرفية أو العناصر غير الملموسة ذو أهمية كبيرة لما يحققه من وفورات في التكلفة ورفع الكفاءة والإنتاجية، خاصة مع تشجيع روح الإبتكار والإبداع الموجودة في عملية تطوير الموارد البشرية، ومن هنا كان الإهتمام المتزايد بالموارد البشرية من خلال الإستثمار في رأس المال الفكري .
ويشير البعض إلى أن قدرة المنظمة على تحويل رأس المال الفكري إلى قيمة، تعتمد على نوعية القيمة التي ترغب المنظمة في تحقيقها من استثمارها في رأس المال الفكري، والتي يمكن أن تأخذ عدة أشكال منها:
- تحقيق الأرباح.
- تحقيق الميزة التنافسية من خلال زيادة القدرات الإبداعية والابتكارية.
- تحسين العلاقات بين العملاء والموردين.
- تحسين الإنتاجية وتخفيض التكلفة.
- تحسين اتجاهات العاملين والصورة الذهنية الخارجية.
- زيادة الحصة السوقية وبناء مركز تنافسي قوي.
ويمكن للباحثة توضيح كيفية تحقيق ودعم الميزة التنافسية للشركات من خلال رأس المال الفكري في النقاط التالية:
رأس المال البشري كآلية لدعم الميزة التنافسية
ويقصد به رأس المال البشري المتميز والذي يضم الأفراد ذوي المواهب المتميزة والذين لديهم القدرة على التفكير الإبداعي الذي يؤثر في أنشطة الشركة الحيوية ويعمل على جذب العملاء وخلق قيمة مضافة للمنتج أو الخدمة المقدمة، مما يؤدي في النهاية إلى تميز الشركة على منافسيها.
الابتكار كآلية لدعم الميزة التنافسية
حيث يعد الإبداع والابتكار هو العامل الرئيسي في قدرة الشركة على الاحتفاظ بمكانتها بين الشركات المنافسة، فكلما زادت سرعة وجودة الابتكارات التي تقدمها الشركة كلما احتفظت الشركة بتفوقها على المنافسين، وبالتالي لابد أن تحرص الشركات على تحفيز العاملين بها وحثهم على الإبداع المستمر الذي يضمن تحسين مستويات جودة المنتجات والخدمات.
التعلم كآلية لدعم الميزة التنافسية
إن التعلم هو السبيل الوحيد لنشر المعرفة والذي يمكن اعتباره الوجه الآخر المكمل للابتكار بحيث لا يمكن الحديث عن الابتكار بدون نشره في أرجاء الشركة عن طريق التعلم الذي يعرف بأنه “ظاهرة جماعية لاكتساب وإعداد الكفاءات التي تتيح تغيير طريقة ممارسة الأعمال” أي أن التعلم لابد وأن ينعكس إيجابياً على نتائج الأعمال بما يجعله أداة فعالة في تحقيق ودعم الميزة التنافسية.
ومن الجدير بالذكر أنه لكي يكون التعلم مصدراً للميزة التنافسية لابد وأن يتسم بالاستمرارية وأن يكون مسئولية الجميع وأن تتعدد مصادره، وأن يكون هو نمط الثقافة السائد في الشركة.
وفي ضوء ذلك أرى أن هناك عاملاً هاماً يعطي المنظمة القدرة على الاستمرارية في امتلاك القدرة التنافسية هو المعرفة، لذلك تسعى الشركات بشكل دائم إلى معرفة كيفية الوصول إلى هذا العامل فالمعرفة تعتبر مصدراً أساسياً للميزة التنافسية، لذلك يجب على المنظمات امتلاكها ومعرفة كيفية إدارتها وما ينتج عن ذلك هو ما يعرف (برأس المال الفكري)، وبالتالي يجب على المنظمة معرفة كيفية امتلاك وإدارة وقياس رأس المال الفكري، وكذلك ضرورة المحافظة عليه من التقليد من قبل المنافسين أو التقلص والتقادم نتيجة لعدم اعتماده على القدرة الإبداعية المتجددة لرأس المال البشري الذي تمتلكه الشركة.