يتجه عدد من الراغبين في الاستثمار في تركيا الى مشاريع انتاج اللحوم الحمراء، التي تعتبر من المشاريع التقليدية سهلة الإدارة وسريعة الدوران للمال نسبيًا كما أنها ذات أصول ثابتة غير مرتفعة. وبما أن الواقع في تركيا يختلف عن البلدان المنتجة الأخرى، نهدف في هذا المقال إلى تبسيط قيم الاستثمار في هذا المشروع وترشيدها وفقًا للمعطيات.

كما تهدف الدراسة إلى تفكيك الآلية الناظمة للاستثمار وتبسيطها مع عرض الثغرات والمميزات، بالإضافة إلى شرح آلية تقنين الحكومة وسرد القوانين الناظمة والاستراتيجية الموجهة، مع العلم اعتمدت المعلومات على مصادر رسمية ومحللين، واستندت على شهادات مستثمرين مروا بتجارب مختلفة إيجابًًا وسلبًا، ليخرج في النهاية بتوصيات آنية تعتمد على رؤية الباحث قابلة للتطوير وتحتاج النقاش.

قوانين انتاج اللحوم الحمراء في تركيا

إن العامل الرئيسي المحدد للاستثمار هو القوانين الحكومية واستراتيجيتها. وتعتبر الحكومة التركية وعبر وزارة الزراعة والغابات واللحوم هي المحدد الرئيسي لسير الاستثمار في مجال اللحوم الحمراء عبر القوانين الناظمة التي تقوم بتحديثها وتطويرها باستمرار. ولهذه القوانين الأثر الأكبر في كل جوانب المشروع، بدءًا من القروض والتسهيلات بشروطها المقدمة لإنشاء المشروع مع ضوابطها المستقبلية، مرورًا بالضبط الدقيق للأسعار في السوق المحلي، مع التحكم الدائم باستيراد مدخلات المشروع أو تصدير مخرجاته.

وبتوجيه حكومي، تملك الوزارة أهدافًا عدة لتوجيه الاستثمار، أهمها رفع حصة الفرد من اللحوم سنويًا، والذي بلغ ذروته بـ 32.3 كغ في 2019، وهو معدل مازال منخفضًا عن المعدل العالمي 9/10 $، حيث لا يتجاوز حاليًا 7 $ لحم خالص، كما تهدف الوزارة إلى تحقيق مخزون ثابت لا يقل عن 50 ألف طن.

ولأجل ذلك، تدعم الحكومة انشاء مشاريع انتاج اللحوم الحمراء للسوق الداخلي، من خلال تقديم منحة قد تصل إلى 20 % من الأصول الثابتة، غير مستردة، والتي لا تعطى بشكل مباشر، وإنما تمنح لحساب الشركة الاستشارية، المخولة بوضع الدراسة وتنفيذها، مع العلم أن المنحة مشروطة بعدة شروط سنتعرف عليها تاليًا

شروط منحة مشاريع اللحوم الحمراء في تركيا

تكون المنحة مشروطة بالترخيص القائم على تأسيس شركة تملك أرض لا تقل عن 10 دونم، ومعايير عالية لظروف الايواء، مما يرفع قيمة الأصول الثابتة الى 200 %، ويحسن مردودية المشروع، ويخفض من تكاليف الإنتاج والعمالة، بحيث يجب أن يكون بناء الحظيرة وفق معايير دقيقة أكثرها كلفة هو السقف، وهو مشروط بأن يكون من مادة الصاج ذي الطبقتين المعزول. كما يجب أن تزود المزرعة بالتيار الكهربائي من الشبكة الرئيسية وتمدد من أقرب مصدر على نفقة المستثمر، كما يجب أن تحوي المزرعة على مصدر مائي إما من الشبكة وبنفس الطريقة أو حفر بئر وترخيصه، وللشركة محاسب مالي يوظف بشكل رسمي.

وتحدد الدولة عدد الرؤوس في المزرعة بناءً على مساحة السقف وليس شرطًا الالتزام بالعدد، لكنه شرط لرخصة التصدير من تركيا للحيوانات الحية. كما تسهل الحكومة سحب القروض بفوائد منخفضة وعلى المدى الطويل، بعد انشاء المزرعة وبدئها بالإنتاج، وتضمن الحكومة شراء الإنتاج كاملًا لمن يرغب بأسعار السوق التي تحددها وهي ملزمة للجميع. ومن أشكال الدعم الحكومي، الخدمات الفنية والبيطرية التي تقدمها مجانًا او بأسعار مدعومة.

سوق اللحوم الحمراء في تركيا

للسوق الداخلي 92% من الإنتاج، كما أنه غير متأرجح غالبًا ومضبوط بدقة من الوزارة المعنية. وبما أن الضبط الهادف إلى إبقاء السعر متدنيًا، ليس ايجابيًا دائمًا، لتحقيق ذلك تحافظ الوزارة على سعر مدروس لا يعطي هامشًا كبيرًا من الربح الجيد للمستثمر، لكنها تأمن التسويق الدائم والثابت للمنتج، والذي قد لا يكون فوريًا.

والطلب في السوق الداخلي شبه ثابت ويميل للانحدار، ولا يشكل عامل ضغط على الوزارة لرفع الأسعار، السبب ثقافة الاستهلاك في السوق الداخلي، ثقافة الاستهلاك والانفاق لدى المواطنين، مما لا يشكل حافزًا كبيرًا أيضًا كعوامل مستقبلية للتحسن في الأسعار. كما أن الحالة الاقتصادية حاليًا للمواطنين ليست دافعًا قوي للاستهلاك.

تصدير اللحوم الحمراء في تركيا

التزاماً بسياساتها، تضع الوزارة عوائقًا كبيرة لتصدير الحيوانات الحية أو المذبوحة، إذ من الصعب جدًا الحصول على رخص لتصدير الحيوانات الحية المسمنة، وهي تحتاج الى أذونات خاصة، محددة المدة والجهة والعدد، ومكلفة، كما أن الحيوانات المذبوحة متاحة للتصدير بقيود، إذ يكون التصدير مشروطًا برخص تحدد العدد المسموح به في كل إخراج، وتمنح بشكل تلقائي مع ترخيص المزرعة وتحدد بعدد مرتبط بمساحة السقف. وتحتاج الرخص الى إذن خاص يمنح من الوزارة في أنقرة وهو لا يستغرق وقتًا وله ضوابط معروفة من الحجر البيطري والحجوزات.

تتعرض رخص تصدير الحيوانات المذبوحة للتعطيل بناءً على تعميمات مفاجئة للوزارة، وذلك يعتمد على فائض المخزون من اللحم المذبوح، وتعتبر مخازن الدولة إحدى الجهات المنافسة بقوة في حال افتتاح التصدير. وتسجل هذه القيود نقطة ضعف للمشروع، إذ أن محدودية التصدير تعطي محدودية في القطع الأجنبي من العملة.
لمنع التضارب مع سياسة تشجيع التصدير، لا تضع الوزارة أي قيود على تصدير منتجات اللحوم المعاملة أو المجمدة (دونر، كباب، قطع لحم، سجق، قاورما، لانشون، اللحوم المجمدة ….).

استيراد اللحوم الحمراء في تركيا

للوصول الى أهدافها، الوزارة تدعم وتشجع الاستيراد في اثنين على الأقل من مدخلات الإنتاج أهمها العجول الصغيرة المعدة للتسمين، ولا تتساهل في بقية المدخلات كالأعلاف أو الأدوية، للحد من التأثير على الإنتاج المحلي منها، بالعموم الأعلاف منخفضة التكاليف نسبيًا في تركيا.
ترجيح الاستيراد على التصدير، يخلق نقطة ضعف ثانية في المشروع، للمستثمر ذي الإيداعات النقدية من القطع الأجنبي، وتأرجح العملة المحلية قد يكون خطرًا إضافيًا. خاصة إن الاستيراد يتم بالقطع الأجنبي.

تكاليف مشروع انتاج اللحوم الحمراء في تركيا

تستحوذ الأصول الثابتة والأصول الدوارة، الأصول الدوارة 85 % من مدخلات الإنتاج الدوري، ومرتبطة بمعادلة محكمة ومضبوطة بدقة من الوزارة، ومدروسة لتعطي هامش ربح 8-10 % من قيمة الأصول الدوارة في كل دورة.
الأصول الثابتة مرتفعة نسبيًا، تدفع لمرة واحدة مع هامش ترميم سنوي لا يتجاوز 5 %، الهبة غير المستردة تساعد في خفضها.

الربح والأمان في مشروع انتاج اللحوم الحمراء في تركيا

دعمًا من الوزارة، يتمتع المشروع بهامش أمان عالي مبني على المتابعة الدائمة من الوزارة للتكاليف ضمن السوق المحلي. ولكن يشكل تأرجح العملة التركية المحلية، وقيود التصدير، والإخراجات بالقطع المحلي والادخالات بالأجنبي، جميعها أكبر تحديات الأمان للمشروع، مما يخفف عوامل الأمان ويخفض تصنيف الاستثمار الى الحذر.
أما عن الربح فيحقق هذا النوع من الاستثمار 8-10% من العائدات الدورية الحذرة، وقد تصل العائدات السنوية الى 22%. مع العلم أن الإدارة الناجحة للمدخلات، ومتابعة مدخلات الإنتاج لخفض التكاليف، تدعم استدامة الاستثمار.

توصيات هامة في مشروع إنتاج اللحوم الحمراء في تركيا

  •  تأهيل المشروع إدارًيا ليحقق استدامة مبنية على خفض تكاليف الإنتاج.
  •  15%من الأصول الدوارة قابلة للخفض عندما يصمم المشروع لترشيد الانفاق (تخفيض العمالة، مياه وكهرباء بكلفة أقل، موقع المشروع القريب من الأسواق ….الخ.
  •  خطة مدروسة لمشروع متكامل يرقى إلى تصدير المنتجات إلى السوق الخارجية.