تتزاحم في عالم المال والأعمال مصطلحات تعبر عن أدنى حركة أو تصرف أو ممارسة يقوم بها الأفراد أو الشركات. ويعتبر مفهوم الاختيار السلبي أحدها. وهو مفهوم برز نتيجة ممارسات دفعت عدة جهات إلى بناء قراراتهم بشكل مغلوط لعدم درايتهم بجوانب القضية الكاملة. فيحدث أن تكون قراراتهم غير صحيحة.
ولربما يصادف العديد منا هذا المصطلح في حياته اليومية، إلا أنه لا يدرك ماهيته، ولا يعرف ما يتعامل معه. فعادة ما يُستخدم هذا المصطلح في عالم الاقتصاد والتأمين، ويسبب العديد من المشاكل في الأسواق نتيجة خوف التجار من الوقوع عرضة للاختيار السلبي؛ مما قد يسبب خسارتهم العديد من الأموال، وربما فشل مشاريعهم في بعض الحالات.
مفهوم الاختيار السلبي
يشير الاختيار السلبي (Adverse Selection) بشكل عام إلى حالة يمتلك فيها البائعون معلومات لا يملكها المشترون حول بعض الجوانب المرتبطة بجودة المنتجات المختلفة، أو العكس. وبعبارة أخرى، يمكننا القول إنها تمثل حالةً يُستغل فيها عدم تماثل وتطابق المعلومات عندما يمتلك أحد الأطراف معرفة اقتصادية ومادية أكبر من الطرف الآخر في جانب ما. وعادة ما يكون الطرف الأكثر دراية بهذه المعلومات هو البائع، لكن هذا ليس قانونًا ثابتًا.
ويجسد الاختيار السلبي سيناريو شائعًا في عمليات التأمين، إذ يسعى أولئك الذين يعملون في أعمال خطرة إلى التسجيل في التأمين على الحياة كوسيلة لحماية أنفسهم من المخاطر الوشيكة. وفي هذه الحالة يملك المشتري (الشخص المسجل على التأمين) دراية أكبر عن حياته ومخاطرها.
من ناحية أخرى، تقلل شركات التأمين من تعرضها لمثل هذه التأمينات شديدة الخطورة عن طريق تقليل التغطية على هذه الفئات من الناس. كما ويمكن لشركة التأمين رفع القسط بشكل يتناسب مع مستوى التعرض للمخاطر كوسيلة للتعويض عن مخاطر تغطية التأمين على حياة أولئك العاملين في مهن خطرة.
كيف يعمل الاختيار السلبي
كما قلنا، يحدث الاختيار السلبي عندما يمتلك أحد الأطراف معلومات أقل دقة مقارنة بالطرف الآخر. ما قد يجعه إلى اتخاذ قرارات سيئة، كالقيام بالعديد من الأعمال التجارية في أسواق أقل ربحية أو أكثر خطورة للمنافسة فيها. ويتجسد في الأمثلة التالية:
الاختيار السلبي في السوق
قد يكون لدى البائع معلومات أكثر منها عند المشتري حول المنتجات والخدمات المُقدّمة، مما يضع المشتري في حالة مربكة. فعلى سبيل المثال، في سوق السيارات المستعملة، قد يعرف البائع عيب السيارة ويتقاضى من المشتري الأموال دون إخباره بالمشكلة.
الاختيار السلبي في التأمين
في حالة التأمين، يتطلب الاختيار السلبي تحديد مجموعات من الناس هم الأكثر عرضة للخطر من عامة السكان، وفرض المزيد من المال عليهم. على سبيل المثال، تقف شركات التأمين على الحياة بالاكتتاب عند تقييم ما إذا كانت ستمنح مقدم الطلب بوليصة التأمين، وما هي الفائدة التي يجب تحصيلها.
كما يعمد الضامنون إلى تقييم مقدم الطلب، ووزنه، وصحته الحالية، وتاريخه الطبي، وتاريخه العائلي، ومهنته، وهواياته، وسجل القيادة، ومخاطر نمط حياته كالتدخين وغيره. كل هذه القضايا تؤثر على صحة مقدم الطلب وإمكانات الشركة لدفع مطالبه التأمينية. وبناء على هذا، تحدد الشركة ما إذا كانت ستمنح مقدم الطلب بوليصة التأمين، وما هي العلاوة التي يجب تحصيلها مقابل تحمل هذه المخاطرة. وعلى النقيض من ذلك، فإن العملاء الذين لا ينخرطون في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، تكون التكاليف المفروضة عليهم أقل.
ولا يقتصر الأمر على المدخنين، بل تؤثر إصابة المريض بالسكري أو احتمالية إصابته، ومدى ممارسته الرياضة وغيرها. وبما أن هذا المريض يدرك أن كشف إصابته سيوقعه في شباك المزيد من التكاليف، لذا فقد يخفي معلومات عن شركة التأمين ليُعامل كما الشخص الصحيح الذي لا يعاني من أي تدهور صحي. فيؤدي إخفاء هذه المعلومات إلى الاختيار السلبي. إذ تغوص شركة التأمين في اتفاق غير منصف مع هذا الشخص دون معرفة حالته الصحية.
ومن الأمثلة أيضًا على الاختيار السلبي في حالة التأمين، نجد التأمين على السيارات. إذ يحصل مقدم الطلب على تغطية تأمينية عند إثبات الإقامة في منطقة ذات معدل جريمة منخفض جدًا، كون معدلات سرقة السيارات أو تخريبها أو إلحاق الضرر بها هناك تعتبر منخفضة. في حين قد ترفض شركات التأمين تغطية تأمين السيارة عند إثبات سكن مقدم الطلب في منطقة بمعدل جريمة عالٍ؛ مما قد يدفع مقدم الطلب إلى تزوير مكان إقامته ليتمكن من الحصول على التأمين.
الاختيار السّلبي في الأسواق المالية
في أسواق المال، تكون بعض الأوراق المالية أكثر عرضة للاختيار السلبي من غيرها. فعلى سبيل المثال، قد تقدم شركة عالية النمو أسمهًا للمستثمرين في أسواق المال بسعر مرتفع. على افتراض أن المديرين في أسواق رأس المال لديهم معلومات عن الشركة التي لا يعلم المستثمرون الخارجيون عنها. فإذا افترضنا أن هؤلاء المدراء على علم بتقييم داخلي للشركة يظهر أن سعر عرض الشركة يتجاوز التقييم الحقيقي؛ سيشتري عندها المستثمرون الأسهم دون معرفة ذلك. وسيقعون في فخ الاختيار السلبي، إلا في حال أبلغ المدراء عن هذا الأمر.
مقارنة بين المخاطر الأخلاقية والاختيار السلبي
مثل الاختيار السلبي، يحدث الخطر الأخلاقي (Moral hazard) عند عدم تطابق المعلومات بين الطرفين. لكن عند الكشف عن تغير في سلوك طرف واحد بعد التوصل إلى اتفاق ما. في حين يحدث الاختيار السلبي عندما يكون هناك نقص في المعلومات قبل التوصل إلى اتفاق بين المشتري والبائع. ويمثل الخطر الأخلاقي خطر عدم إبرام أحد الطرفين للعقد بحسن نية، أو تقديم تفاصيل خاطئة حول أصوله والتزاماته وقدراته الائتمانية.
ومن هذا نصل إلى أهمية تقديم المعلومات الدقيقة حفاظًا على مصالح الطرفين. فأي كشف لعميلة تزوير في المعلومات قد يعرضك للمساءلة، وربما يتركك تواجه بعض القضايا القانونية لمجرد إخفائك هذه المعلومات. لذا احرص على تحري الدقة في معلوماتك وكن أمينًا في هذا. وتأكد قبل إقدامك على أي اتفاق مالي من صحة المعلومات التي قدمها الطرف لآخر إليك.