صناعة القطن ومكونات صناعة القطن. للقطن حكاية تاريخيّة امتزجت بعرق الكادحين منذ الأزل، فقد نشبت لأجله ثورات أهلية، واعتُبِر سلاحًا استراتيجيًا لعب الدور الحاسم في موازين القوى العالمية. كما تشكلت على أساسهِ امبراطورياتٍ، نشأت نظمٌ اجتماعية وسياسية، أبرزها الرأسمالية. حتى أن السينما العربية تناولت هذه العلاقة الوطيدة مابين الإنسان وزراعة القطن، كرمزٍ للانتماء.
لما له من تاريخٍ ضارب الجذور في عمق الزمن. ولعل فيلم ( الأرض) الذي تم إنتاجه عام 1970 للمخرج العالمي يوسف شاهين، لخّص تلك العلاقة الأزلية وتطوراتها. والدور الذي لعبه محصول القطن، الذي كان خلال مجمل الأحداث رمزًا للتشبّث بالأرض، في توازنات القوى، وثورات الكادحين.

ليس على مستوى الساحة العربية فحسب، وإنما كتوثيقٍ فنيٍ درامي لمرحلةٍ هامة في تاريخ البشرية عمومًا. فما رأيكم أن نتعرف أكثر على هذا التاريخ العريق ؟ ومن ثم نُكوّن صورة بانورامية عن ماهية صناعة القطن، ومكونات صناعة القطن. وذلك باعتباره ثروة اقتصادية متكاملة، تبدأ من الأرض زراعةً، مرورًا بالمصنع، وانتهاءً بالتصدير، والعملية التجارية.

 

تاريخ زراعة القطن في العالم

لم تفلح الأبحاث التاريخية في تحديد الموطن الأصلي لزراعة القطن. وذلك نظرًا لتعدد الدلائل التي أثبتت وجود نبات القطن في مناطق مختلفة من العالم، أهمها قارة آسيا والهند تحديدًا، وكذلك في البلاد العربية كمصر وسورية. كما تشير الوثائق انتقاله إلى أوروبا فيما بعد، ووجوده في قارة أمريكا قبل اكتشافها من قبل الرحالة كريستوفر كولومبس. إلا أن التاريخ التقريبي يشير إلى استخدام الهنود شعيرات القطن في صناعة النسيج منذ نحو 1500 عام قبل الميلاد. ما يؤكد أنهم عرفوا صناعة القطن ومكونات صناعة القطن منذ تلك الحقبة التاريخية. أما أوروبا فقد كانت تستورد الأقمشة القطنية من بلاد الشرق خاصة الهند. ومن مدينة «كلكتا» بالتحديد.
في حين كان للعرب دور بارز في إدخال الصناعة القطنية إلى أوروبا. وذلك عندما روجوا لها في البلدان التي تقع على امتداد البحر الأبيض المتوسط.

 

تاريخ زراعة القطن في أوروبا

أما أولى محاولات زراعة القطن في فرنسا وإنكلترا كانت 1635م، وهكذا بدأت مسيرة محصول القطن كرمزٍ للرأسمالية والتطور الجديد في العالم. وذلك بعد أن تمكنت أوروبا من صناعة القطن ومكونات صناعته.
الجدير بالذكر هو ما ورد في كتب المؤرخين، بأن كولومبوس عندما وصل إلى أمريكا وجد زراعة القطن معتمدة ومنتشرة. وثبت بالفعل أن مملكة بيرو عرفت القطن منذ حقب طويلة. واعتمدوا في ذلك على الأبحاث التي أثبتت وجود أقمشة أثرية من القطن تغطي أجساد الموتى المحنّطة هناك.

 

آسيا الأولى في إنتاج القطن بين قارات العالم

تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في عصرنا الحالي هناك 91 دولة منتجة للقطن في العالم. وقد بلغ إجمالي إنتاج القطن عالميًا مايفوق 72.5 مليون طن متري من المساحة المقدرة بحوالي 33.8 مليون هكتار. مع العلم بأن قارة آسيا تحتل المرتبة الأولى في صناعة القطن. في حين تحتل أمريكا الشمالية المرتبة الثانية، وتأتي إفريقيا بالمرتبة الثالثة في الإنتاج.

 

الهند أكبر منتج للقطن في العالم

تعتبر الهند أكبر منتج للقطن في العالم حيث يبلغ حجم إنتاجها 6,188,000 طن سنويًا. وهي من أقوى الدول في صناعة القطن وزراعته على المستوى العالمي منذ أكثر من 3000 عام. وتجدر الإشارة إلى أنها تنتج أكثر من 26% من إجمالي القطن المنتج في العالم.

 

الولايات المتحدة الأمريكية الثانية في إنتاج القطن عالميًا

تلي الهند الولايات المتحدة الأمريكية، و هي من أكبر الدول التي تنفرد باستخدام الوسائل الحديثة في الزراعة والإنتاج على امتداد مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية. وبذلك فهي الرائدة في اعتماد هذه الأساليب الحديثة في صناعة القطن ومكونات صناعة القطن.
حيث يزرع المزارعون الأمريكيون القطن والمحاصيل الأخرى بتكلفة أقل من دول العالم.
ورغم الكميات الكبيرة المنتجة من القطن في أمريكا، إلا أنها تستورد القطن من دول أخرى. وذلك لزيادة الإنتاجية في المجالات التي يدخل فيها القطن. ثم تأتي الصين في المرتبة الثالثة ، و بإنتاج سنوي قدره 6117318 طن. و بالرغم من أن الصين هي الدولة الرائدة في إنتاج القطن على مستوى العالم . إلا أنها احتلت المركز الثالث في إنتاج القطن في 2018-2019. حيث تعتبر زراعة القطن في الصين واحدة من أهم الصناعات في البلاد، كما أن الصين من أكبر المستهلكين للقطن في العالم.

 

أكثر الدول العربية إنتاجًا للقطن

بما أن القطن من نباتات المناطق الحارة، التي تتطلب ريًّا جيدًا، وأرضًا خصبة لإنتاج قطن عالي الجودة. نجد أن مصر، وباعتبارها “هبة النيل” من أبرز الدول العربية التي اشتهرت في زراعة القطن. ويعتبر القطن المصري من أفضل أنواع القطن “طويل التيلة”، ولذلك فهو مرغوب ورائج التصدير لجميع دول العالم. كما أنه يكتسب خصوصية تاريخية منذ عهود قدماء المصريين، فقد عثر على بذور القطن في أحد مقابر «طيبة». واشتهرت مصر بزراعته، والتمرس في صناعة القطن ومكونات صناعة القطن، وتصديره إلى جانب المنسوجات القطنية إلى روما، وانتقل منها أيضًا إلى أرض السودان وأثيوبيا.

 

مهرجان القطن في حلب عاصمة الاقتصاد السوري

أما في سورية فيعتبر القطن من المحاصيل الزراعية الهامة، ذات التاريخ العريق. كما يعد من المحاصيل الإستراتيجية التي تزرع في شمال وشمال شرق سورية وفي منطقة الجزيرة السورية. ومن يعرف حلب الشهباء لاشك أنه سمع بمهرجان القطن السنوي الذي دأبت على إقامته الشهباء عاصمة الاقتصاد السوري في كل عام منذ مطلع القرن العشرين. وذلك تعبيرًا عن مكانة صناعة القطن ومكونات صناعة القطن في الاقتصاد السوري. حيث تتجول السيارات المزينة بأشكال مختلفة من القطن الملون عبر كرنفال ساحر أحياء المدينة وتُعيّن خلاله ملكة جمال القطن. وذلك تعبيرًا عن أهمية صناعة القطن ومكونات صناعة القطن. حيث يصنف القطن السوري من أجود أنواع الأقطان في العالم، كما تعتبر سورية من أوائل الدول في إنتاج القطن، وتصديره إلى العديد من الدول وخاصة الأوروبية التي تستخدمه في صناعات المنسوجات عالية الجودة.

 

مراحل صناعة القطن ومكونات صناعة القطن

تبدأ رحلة صناعة القطن بزراعة بذور القطن. حيث تُروى تلك البذور بالمطر. وعندما ينمو نبات القطن يجنيه المزارعون يدويًا، وتبدأ عملية حلج القطن. وهي تعني العملية الكاملة التي تتضمن تحويل كرات القطن إلى ألياف. فبعد تجميع كرات القطن التي جُنيت تُنقل مباشرةً إلى مصنع الحلج. وهناك يوضع القطن في آلة الحلج التي تفصل ألياف القطن عن البذور، وفي هذه العملية تُزال الأوساخ والشوائب. ثم تجمع البذور لاستخدامها في زراعة القطن العام التالي. كما يستخدم جزء منها في إنتاج زيت بذور القطن.
في المرحلة الثالثة تبدأ عملية غزل القطن. حيث تمر الألياف عبر آلة التمشيط التي تفصل الألياف عن بعضها إلى أن تصبح خيوطًا، وتغدو في النهاية جاهزةً للنسج، أو الحياكة. ويستمر تنظيف القطن في مرحلة الغزل، ثم تُمشط الألياف بواسطة مجموعة من الآلات، و لفّها لتشكيل بكرة غزل محكمة. وتنقل بعد ذلك بالشاحنات إلى المصانع الخاصة الصباغة.

 

صباغة الأقمشة القطنية وعلاقتها بالتلوث البيئي

من أبرز مراحل صناعة القطن ومكونات صناعة القطن جدلًا وانتقادًا من قبل أصدقاء البيئة مرحلة صباغة الأقمشة القطنية. حيث يتم استخدام مواد كيميائية سامة في عملية الصباغة التقليدية، و يؤدي ذلك إلى إنتاج كمياتٍ كبيرة من النفايات المختلطة بالمياه. وهذه المواد الكيميائية السامة تسبب الضرر للبيئة، والمزارعين، وأيضًا للقاطنين بالقرب من مصانع الصباغة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الضرر السميّ يصل إلى المستهلكين أيضًا. لأن 80% من المواد الكيميائية السامة المستخدمة في الصباغة تظل عالقةً في المنتجات القطنية لفترة طويلة بعد عملية الإنتاج. وعلى الرغم من أن حلول هذه الإشكالية يتمثل في وجود مصانع تعتمد على الأصباغ الطبيعية، التي تأتي من منتجات طبيعية، مثل الشمندر، والسبانخ، والكركم، وما إلى ذلك. إلا أن هذه الأصباغ الطبيعية تفتقر إلى حيوية الأصباغ الاصطناعية، ولهذا لا تستخدم كثيرًا رغم أنها صديقة للبيئة.

 

صناعة الألبسة القطنية وتوزيعها

بعد الانتهاء من صباغة المنسوجات القطنية كمرحلة هامة من مراحل صناعة القطن ومكونات صناعة القطن، تبدأ عملية صناعة الملابس متضمنةً سلسلة من المراحل. حيث يبدأ المصممون بتحديد الأحجام، والموديلات والقطع، والألوان بالتشارك مع العمال، ثم يقطع العمال القماش القطني النهائي ليناسب تلك التصاميم التي اتُفق عليها. والمباشرة بعملية الخياطة على آلات الخياطة الصناعية.
يلي ذلك تنظيف الألبسة القطنية وطويها، ثم تعبئتها، وتخزينها في المستودعات، إلى أن تُرسل إلى المتاجر كي تكون متوفرة للشراء.

 

في النهاية لابد من التركيز على عدة نقاط هامةٍ حول تاريخ زراعة وصناعة القطن، ومكونات صناعة القطن: أولها أن آسيا التي ظهر فيها القطن قبل قرون، لعبت العمالة الرخيصة فيها اليوم دورًا هامًا في تحولها إلى مملكة كبيرة لزراعة القطن.
الأمر الثاني أن المؤرخين اهتموا بتناول هذه القضية، فقد أوضح أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد “سيفين بيكيرت” في كتابه «إمبراطورية القطن: تاريخ عالمي» الذي صدر عام 2014. أن القطن غدا السلعة التي دار في فلكها العالم خلال القرن التاسع عشر لكن تلك الإمبراطورية كانت عالمًا لا يعرف الرحمة. حيث إن الملايين من العمال والعبيد والمزارعين، تذوقوا الكثير من الإذلال والعذابات، ومن قلب تلك المعاناة كانت تخرج السلعة، وتقدم الأزياء والملابس القطنية في وسائل وأدوات عرض براقة وجاذبة.
وأخيرًا إن هذا الذهب الأبيض وضع الولايات المتحدة الأمريكية في قلب الخريطة العالمية. عندما أفلحت أمريكا في الهيمنة السريعة على السوق، نتيجة امتلاكها مقومات نجاح صناعة القطن ومكونات صناعة القطن ألا وهي: العمالة الرخيصة، الأرض الخصبة، وأخيرًا الائتمان.