لا بد أنك تساءلت يوماً عن الشكل الهندسي البديع لخلايا النحل. لطالما أبهرتنا الطبيعة بتصاميمها العبقرية المدهشة، وقد تصل التصاميم الطبيعية إلى درجة من الدقة تفوق حدود إدراك العقل البشري لهذا الإعجاز المذهل. والذي قد يحتاج صناعياً إلى أعقد العمليات الحسابية والأدوات التكنلوجية الحديثة، بالإضافة إلى الكثير من الجهد والعمل. ونظراً لكون هذه التصاميم طبيعية، فنادراً ما نلاحظ وجودها، فالأشياء البديهية غالباً ما تكون غير مثيرة للدهشة. ولكن النظر بتمعن في الطبيعة سيظهر لك بالتأكيد مدى عظمتها، ويجعل عقلك يسبح تائهاً، مذهولاً في سحر هذا التصميم الذكي.
خلايا النحل
خلايا النحل هي المملكة المغلقة التي يمارس فيها النحل حياته، كل حسب وظيفته. ويمكن أن تكون هذه الخلايا من صنع الإنسان كالخلايا المستخدمة في مشاريع تربية النحل لإنتاج العسل تجارياً، أو طبيعياً كخلايا النحل المتواجدة في الغابات بين جذوع الأشجار.
وبالغوص أكثر في خبايا عالم النحل المغلق داخل الخلية نجد ثلاثة أنواع للنحل، والنوع الأول هو ملكة النحل ووظيفتها وضع البيوض. أما النحلات العاملات مهمتهن الخروج في مهام جمع الرحيق لإنتاج العسل، وبالنسبة للذكور فمهمتهم الوحيدة هي تلقيح ملكة النحل لإنتاج البيوض. وقد وجد هذا المجتمع المنظم طريقةً مذهلة لبناء الخلية بالطريقة المثالية لحفظ الرحيق وتحويله إلى عسل، بالإضافة إلى المحافظة على حياة اليرقات وتربيتها.
بناء خلية النحل
تبني عاملات النحل الخلية، بإفراز الشمع من أربع أزواج من الغدد المتواجدة في أسفل بطن العاملات. مع العلم تنضج هذه الغدد عندما يصل النحل إلى عمر ال 12 إلى 18 يوم. لتقضي بعدها بقية حياتها البالغة ستة أو سبعة أسابيع في جمع الرحيق لإنتاج العسل والشمع. حيث يخرج الشمع السائل ليتصلب بمجرد تعرضه للهواء.
وتستخدم العاملات الغذاء الموجود في العسل من كربوهيدرات، وسكريات الجلوكوز والسكروز، في إنتاج الشمع. لتبدأ بصنع المشط الذي يُشكل الهيكل الرئيسي لخلية النحل. وذلك عن طريق استخدام الشعيرات الموجودة على أرجلها الخلفية، لتمديد الشمع بعد أن يتصلب حتى يصل إلى الفك، لتمضغه النحلة وتستخدمه في صنع الخلايا السداسية. كما أن النحل لا يبني الخلايا إلا بإشراف الملكة. وبالتأكيد يعتمد عدد الخلايا بشكل كامل على حاجة النحل لمساحة التخزين، وذلك بالنظر إلى عدد البيوض التي تضعها الملكة، وكمية الرحيق الذي تجمعه العاملات.
الشكل السداسي لخلية النحل
خلال ملايين السنين وتعاقب ملايين الأجيال من النحل، طور النحل تصميماً مذهلاً لبناء الخلية. وقد اتخذت الخلايا المطورة الشكل السداسي الذي أثبت فعاليته بجدارة. ويعود ذلك إلى أن النحل يحتاج للمحافظة على الرحيق في الخلايا وتحويله إلى عسل يخزن في خلايا تخزين صغيرة بحجم النحلة تقريباً. ويتكون عش النحل المثالي من 100 ألف خلية سداسية تقريباً، حيث تستخدم الخلايا العلوية لتخزين العسل. بينما تستخدم الخلايا الوسطى لتخزين الرحيق، أما الخلايا السفلية تُسمى الحضنة، وتُستخدم لتربية النحل الذي يولد حديثاً. ويستغرق النحل من 7 أيام إلى شهرين ليصنع الخلية كاملةً.
وباستخدام شمع العسل، يبني النحل الخلايا في شكل سداسي كونه يتيح أكبر مساحة لتخزين العسل باستخدام أقل كمية من الشمع، وذلك لأن استخدام النحل للشمع يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد. فالنحلة تحتاج إلى 12 ساعة لإنتاج 8 قشور من الشمع، وكل ألف قشرة تساوي غرام واحد من الشمع. وبالتالي يوفر النحل الجهد ويحصل على أكبر مساحة تخزين ممكنة، باستخدام الشكل الهندسي للخلية.
هل يوجد شكل آخر لخلية النحل؟
في الواقع إن مجرد تخيل أشكال أُخرى لخلية النحل. يمكن له أن يوضح أن الشكل السداسي هو الشكل الوحيد لخلية النحل والأكثر فاعلية. فالشكل السداسي شكل منظم جداً يمكن بنائه بشكل متلاصق جنباً إلى جنب دون الحاجة إلى تخريب البنية الكاملة للخلية.
كما أن الشكل السداسي لا يترك أي فراغ بين الخلية والأخرى. وهذا ما يساعد على تقليل المساحات الفارغة، وتوفير أكبر قدر ممكن من المساحة لإنتاج العسل. فعلى سبيل المثال، إذا كان الشكل الهندسي لخلايا النحل دائرياً، سيترك ذلك فراغات صغيرة بين الدائرة والأُخرى. وإذا كان الشكل مربعاً سيعيق ذلك النحل أثناء بناء الخلية وقد يدمر الشكل الأساسي الكلي للخلية. ولهذا يبقى الشكل الهندسي لخلية النحل المكون من خلايا سداسية هو الشكل الوحيد الذي يحقق أكبر قدر من المساحة وبأقل جهد ممكن.