تعتبر تربية دودة القز وإنتاج الحرير من الأنشطة الاقتصادية المهمة في الكثير من دول العالم، لما تحققه من عائدات ترفد خزينة الدول وتدفع عجلة التصدير فيها، سواء صُدّر كحرير خام أو كألبسة وأقمشة مصنعة. سنتكلم في مقالنا اليوم عن بلغاريا، كبلدٍ يولي تربية دودة القز وإنتاج الحرير اهتمامًا خاصًا.

تاريخ تربية دودة القز في بلغاريا

تعود تربية دودة القز في بلغاريا إلى القرن التاسع عشر للميلاد، حيث اقتصرت حينها على المزارعين المحليين. لكن، وبحلول عام 1896، أنتجت أول بيوض تجارية لدودة القز، متبعين طريقة باستور الخلوية. في حينها استورد البلغاريون بيوض دودة القز من تركيا وفرنسا وإيطاليا. كما زرع البلغاريون مئات ألوف شجرات التوت حينها، لتغذية يرقات دودة القز. ثم أخذت تربية دودة القز في بلغاريا تنمو بتسارع وازدياد كبيرين، حيث بلغت في عام 1926 حوالي 270 ألف طن في العام.

ومع تقدم الزمن، وبالتحديد بين عامين 1950 و1990، بلغت أنشطة تربية دودة القز وإنتاج الحرير ذروتها الأولى في البلاد، حيث تراوح الإنتاج المحلي بين 1200 و2000 طن من الشرانق الطازجة. وبذلك احتلت بلغاريا المرتبة الأولى أوروبيا والثامنة عالميًا بإنتاج الشرانق والحرير. لكن مع تغير النظام السياسي والاقتصادي تدهورت تربية دودة القز وإنتاج الحرير في بلغاريا، ووصلت إلى مرحلة حرجة.

ما السبب وراء تطور تربية دودة القز في بلغاريا؟

يعود الفضل في تطور تربية دودة القز وإنتاج الحرير فيها إلى مركز تجارب دودة القز (SAES)، والذي أنشئ في فراتزا عام 1896. وهو الآن أكبر مركز في بلغاريا، يقوم بنشاطات متنوعة في مجال تربية دودة القز وتطويرها وإنتاج الحرير. يحتوي على أربع أقسام رئيسة هي (قسم الأبحاث، وقسم خدمات الإرشاد، وقسم الإنتاج، وقسم الإدارة). كما أن قسم الأبحاث يضم أربعة مخابر هي (مخبر زراعة التوت، ومخبر جينات دودة القز، ومخبر إنتاج بيوض وديدان القز، ومخبر معالجة الشرانق).

يقوم عمل المركز بشكل أساسي على إقامة الأبحاث العلمية والدراسات التي تستهدف جينات دودة القز وتقنيات تربيتها. وذلك لرفع الإنتاجية وتحسين السلالات وتهجينها. إضافًة لذلك، يدرس المركز آفات ديدان القز وطرق علاجها والوقاية منها.

يحتفظ المركز بأكثر من 140 نوع من شجر التوت، وأكثر من 200 سلالة لدودة القز، محلية ومستوردة. حتى الآن، طور المركز 19 سلالة هجينة من دودة القز، 10 منها خضعت لاختبارات وراثية شاملة واعتمدت لإنتاج البيوض والشرانق.

الخطة الوطنية لإحياء تربية دودة القز في بلغاريا

بعد أن تدهورت تربية ديدان القز وإنتاج الحرير في بلغاريا لسنوات، استشعرت الحكومة البلغارية أهمية إحياء تلك الصناعة من جديد، فأطلقت حملة وطنية لدعم مشاريع تربية دودة القز وتنميتها. وكانت لتلك الخطة أهداف قصيرة المدى لفترة ما بين (2007- 2010)، وأخرى طويلة المدى. بالنسبة لأهدافها قصيرة المدى، فسنذكرها تباعًا:

  • الوصول في عام 2010 إلى إنتاج سنوي يبلغ 500 طن من الشرانق الحية، و60 طن من الحرير الخام، و10 طن من الحرير الخام السميك.
  • افتتاح ما يصل إلى 8000 معمل وتوفير فرص العمل، مما يؤدي لتقليل نسبة البطالة والحد من هجرة السكان.
  • توفير دخل سنوي إضافي للقطاع الزراعي يصل إلى 35000000 يورو.
  • تحسين البيئة من خلال تطوير صناعة نظيفة وخالية من النفايات كتربية دودة القز.

أما أهداف الخطة طويلة المدى، فهي:

  • الوصول لطاقة إنتاجية تتجاوز 2500 طن من الشرانق و3 ملايين متر من الأقمشة الحريرية.
  • إنتاج أكثر من 350 طن من الحرير الخام عالي الجودة.
  • إشراك 20000 ألف عامل جديد في مجال تربية دودة القز وزيادة عدد مزارع تربيتها.

 استراتيجيات الخطة الوطنية الخاصة بدودة القز في بلغاريا

عمدت الحكومة البلغارية إلى القيام بالعديد من الخطوات والأنشطة الاستراتيجية، التي ساهمت بتحقيق أهداف خطتها الوطنية. سنتكلم عن تلك الخطوات ونذكر بما يلي:

  • إنشاء شبكة وطنية لتوزيع يرقات دودة القز، وبيع الشرانق، وتجفيفها، وتصنيفها، وتخزينها.
  • إقامة مراكز للف الحرير ومعالجته وإعادة تصنيعه.
  • إنشاء شركات لتطوير صناعة الحرير، ليس إنتاجه فقط، بل تنظم هذه الشركات مراكز بيع بيوض ديدان القز وحضانتها، إضافة لتنظيمها مراكز بيع الشرانق.
  • كما وفرت الأدوات والمعدات اللازمة لتربية ديدان القز كالحواضن، ومخازن الشرانق، وآلات تجفيفها.
  • التجديد التدريجي لمزارع التوت، بغية تحسين أصنافها وتوفيرها.
  • إنشاء مزارع لديدان القز أكبر نسبيًا، وبالتالي تأمين إمدادات عالية الجودة من البيوض والشرانق بتكاليف أقل.
  • تشجيع تكوين مجموعات إنتاجية متقاربة، تبدأ من مزارع لتربية ديدان القز، وتنتهي بمعامل لمعالجة الحرير وتصنيعه.
  • كما شجعت أيضًا على إنشاء شركات لتصدير الحرير إلى دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا.

وأخيرًا يمكن القول تشهد تربية ديدان القز وإنتاج الحرير في بلغاريا نموًا حتى يومنا هذا. وبهذا، وتعتبر التجربة البلغارية في هذا المجال نموذجًا يحتذى به، كما أنها خير مثال على الأهمية الاقتصادية لتربية دودة القز وإنتاج الحرير.