لقد تميز عالمنا المعاصر بصناعة السياحة، حيث سعت الكثير من الدول إلى الاهتمام بالاستثمار السياحي، وذلك لمزاياه الإيجابية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، لذا سنتكلم في مقالتنا هذه عن الاستثمار السياحي في مصر.
مصر هي موطن السياحة الأول في العالم العربي، وإحدى أهمّ الوجهات السياحية في العالم، حيث تستقطب ما يقارب 15 مليون سائح سنويًا، وذلك بسبب جمالها الطبيعيّ كجمال ملكتها الأسطورية كليوبترا، وثروتها وكنوزها التاريخيّة كالمعابد والمتاحف والمباني التاريخية والفنية والآثار الفرعونية والأهرامات التي هي من عجائب الدنيا السبع، وأبو الهول الذي يعتبر واحدًا من أهم وأكبر التماثيل الحجرية في العالم، فلا تكفي عدة سطور لوصف ذلك السحر والجمال، حيث الحضارات القديمة ماثلة للعيان، وتنطق بما كانت عليه الأمم التي شيدت تلك الحضارات منذ فجر التاريخ، هذا وبالإضافة إلى معالمها الدّينية والثّقافية، فهي الأرض التي خلقت لتكون قبلةً للعالم في مجال السّياحة بآثارها الخالدة ومناخها المعتدل وشمسها التّي لا تغيب.
مقومات الاستثمار السياحي في مصر
بدايةً يجيب التنويه عن العلاقة بين العوامل الجاذبة للسياحة والعوامل الجاذبة للاستثمار السياحي في مصر.
فالعوامل الجاذبة للسياحة تنبعث من المزايا الطبيعية أو التراثية والثقافية للبلد أو غير ذلك مما يجذب السائحين من خارج البلد إليها، وكلما كانت عوامل الجذب السياحية أكثر تميزًا كلما زادت قدرة البلد على جذب السائحين، فيتسع سوقه السياحي ويصبح هذا في حد ذاته دافعًا للمستثمرين أن يقيموا المنشآت والمشاريع السياحية والفندقية والاستثمارات التي تتمكن من خدمة هذا السوق.
تتمتع مصر بتنوع مجالات السياحة، والتي من أهمها السياحة الثقافية والأثرية باعتبارها من أقدم أنواع السياحة في مصر، وعلى الرغم من تعدد أنواع السياحة وامتلاك مصر لمقومات العديد منها، تظل السياحة الثقافية هي المقوم السياحي غير المتكرر أو المتشابه أو القابل للمنافسة نظرًا لما تمتلكه مصر، حيث يوجد بها ثلث الآثار المعروفة في العالم أجمع.
وإلى جانب السياحة الثقافية والأثرية ظهرت إلى الوجود أنماط سياحية جديدة، أصبحت تخاطب شرائحًا أوسع من السائحين عبر العالم، منها السياحة الترفيهية وسياحة الشواطئ، والسياحة الدينية، والسياحة العلاجية، والسياحة البيئية، والسياحة الرياضية، وسياحة السفاري، والسياحة الصحراوية، والسياحة البحرية، بالإضافة إلى سياحة المهرجانات والفعاليات الترفيهية والثقافية، وسياحة المؤتمرات والمعارض، هذا بالإضافة إلى ما تتمتع به من مقومات سياحية أخرى، وهذا بدوره ما سيؤدي إلى زيادة الاستثمار وتنوع المنتج السياحي.
تطور الاستثمار السياحي في مصر
إن تزايد الدور الملحوظ الذي تلعبه السياحة في قضايا التنمية الاقتصادية بالدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء، والذي انعكس في الاهتمام الشديد من جانب حكومات كثير من الدول بقطاع السياحة، وتمثل ذلك الاهتمام في تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وذلك إيمانًا من الدولة بأهمية دور قطاع السياحة باعتبار المشروعات السياحية من أكثر المشروعات الخدمية جذبًا لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية، حيث أولت المزيد من الاهتمام للقطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في النشاط السياحي، من خلال تسهيل العديد من الإجراءات أمام المستثمرين المصريين والأجانب لزيادة استثماراتهم في النشاط السياحي.
كما أن هناك علاقة طردية تربط بين السياحة والاستثمار السياحي في مصر، فكلما زاد النشاط السياحي زاد حجم الاستثمارات في المشروعات سواء السياحية أو غير السياحية، ويرجع ذلك إلى أن السياحة تلعب دورًا مباشرًا في زيادة المشروعات الاستثمارية الصغيرة التي تنتج المشغولات والحلي والملابس والهدايا التذكارية، وترتبط السياحة ارتباطًا ملحوظًا بالمشروعات الاستثمارية الكبيرة المتمثلة في الصناعات المرتبطة بالسياحة مثل الصناعات الغذائية والمشروعات المنتجة للسلع والتجهيزات السياحية.
بالإضافة إلى ذلك فإن النشاط السياحي يقوم بدور هام يتمثل في جذب السكان والعمالة إلى المناطق غير المأهولة بالسكان من قبل، حيث يعني ذلك زيادة الإنفاق الاستثماري في تلك المناطق متمثلة في البنية الأساسية من مرافق وخدمات، وهو ما يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية وإعادة توزيع الدخل بين المناطق المختلفة للدولة، وهو ما يطلق عليه الآثار التوزيعية للنشاط السياحي، فضلًا عن أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تؤدي إلى خلق العديد من الوفود الخارجية والآثار غير المباشرة للدولة المضيفة.
الاستراتيجيات السياحية في مصر
- الاستعداد جيدًا لتأهيل وإعداد كوادر بشرية قادرة على إدارة آليات الاستثمار السياحي في مصر بمفهوم جديد من الأداء يستوعب تلك المتغيرات الدولية.
- ضرورة إعطاء الإدارة المصرية في مختلف مجالات العمل السياحي مزيدًا من الحرية في اتخاذ القرارات السليمة والمناسبة لمواجهة المواقف المختلفة، وتطوير هذا النشاط وإيجاد المناخ المناسب للإبداع والتطوير.
- زيادة حوافز الاستثمار السياحي لتشجيع رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية. للدخول بجدية وبدون خوف أو تردد في مجالاته المختلفة بشكل يخدم احتياجات واتجاهات الطلب السياحي العالمي.
- دراسة الأهداف والإعداد لمتطلبات السوق المفتوح الذي يأتي من الدول الأخرى.
- إعداد وصياغة خطط رئيسية تقوم بتنسيق الأنشطة مع القطاع الخاص.
- الاعتماد بشكل رئيسي على القطاع السياحي الخاص في مجال الاستثمارات السياحية المختلفة.
- التنسيق التام بين قطاع السياحة والقطاعات الأخرى المرتبطة بقطاع السياحة.
- التركيز على النشاط السياحي الخارجي لجذب الحركة السياحية من الأسواق الخارجية.
- طرح منتجات سياحية جديدة.
- زيادة التوعية السياحية للمواطنين المصريين سواء من حيث الترحيب بالسائح ومعاملته معاملة طيبة، أو من حيث توجيه أنظار المصريين إلى إمكانيات بلدهم السياحية والترفيهية لاجتذابهم بدلًا من قضاء إجازاتهم في الخارج.
- الاهتمام بالمعلومات المرتدة التي توضح انطباع السائحين أثناء مغادرتهم البلاد، والمشاكل التي واجهتهم واقتراحاتهم. وذلك عن طريق استمارات استقصاء توزع عليهم في الموانئ والمطارات.
خصائص الاستثمار السياحي
- الاستثمار السياحي ذو طبيعة طويلة الأجل.
- يمكن أن يكون محفزًا لتنمية مناطق غير نامية أو أقل نموًا.
- يحتاج الاستثمار السياحي إلى عدد كبير من اليد العاملة تتنوع بين اليد العاملة العادية والمتخصصة في الخدمات السياحية. فالاستثمار السياحي يعتمد كثيرًا على الموارد البشرية، وبالتالي هو أكبر موفر للفرص الوظيفية.
- تتأثر الاستثمارات السياحية بشكل كبير بالاستقرار السياسي والأمني للدولة. فأي تدهور في المجال السياسي والأمني يؤدي إلى تدهور طردي في الاستثمار السياحي.
- تؤثر التشريعات والقوانين المنظمة للاستثمار في أي دولة على الاستثمار السياحي. فبقدر مرونة التشريعات تكون مشاريع الاستثمارات السياحية مرنة وتقل بقدر التعقيدات والعراقيل التي تكبح العملية الاستثمارية.
تمويل الاستثمار السياحي في مصر
- تقوم الدولة بتخصيص جانب من الأموال لتدعيم الجانب الاستثماري السياحي وتنشيطه.
- الاعفاءات الضريبية الخاصة بالاستثمار السياحي بقصد تشجيع التنمية السريعة.
- الزيادة في التوسعات السياحية بتهيئة المناطق المستهدفة المنعزلة وجعلها مناطقًا سياحيةً مهمة.
- القيام بالمهرجانات والاحتفالات السياحية الثقافية، لجذب أكبر عدد من السياح ودعوتهم للاستثمار في هذه المناطق.
- ترقية الاستثمار السياحي والاستغلال العقلاني والمتوازن للموارد السياحية.
أخيرًا، بعد أن تكلمنا عن الاستثمار السياحي في مصر، لابد أن نذكر أن مصر من أبرز نقاط الجذب السياحي في العالم. نظرًا لما تتمتع به من كنوز سياحية متعددة الوجوه، فهي بلد السحر والجمال وأم الدنيا. ومن شرب من النيل لا بد أن يعود لمصر من جديد، تلك الجملة التي ترددت عبر الأجيال لتثبت حقيقتها بجدارة.