إنّ تسعير المنتجات من أكثر المشكلات التي تواجه روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع الصّغيرة. مما يضعهم في خانة الحيرة من أمرهم حيال تسعير المنتجات. وذلك كون معرفتهم ضحلةً بأهداف استراتيجية تسعير المنتج. فإن تسعير المنتجات فنّ ولا يجري بشكل عشوائي بل بطريقة علميّة صحيحة وبناءً على أسس ومرتكزات لتحقّق أهداف المشروع. كما أنّ الكثيرون من روّاد الأعمال يسعّرون منتجاتهم دون دراسة وافية وكافية للسّوق أو بلا اطّلاع على أسعار المنافسين، فنجد منهم من يسعّر منتجاته بشكل مرتفع جدًّا بُغية تحقيق ربح سريع. ونتيجةً لذلك يحدث كساد للمنتجات وبالتّالي عدم تحقيق نسبة مبيعات كبيرة.
ومن ناحية أخرى يسعّر بعض التّجار المنتجات بأسعار أقل من المنافسين بهدف رفع نسبة المبيعات، ولكن ذلك لا يحقق أيضًا ربحًا، أو مبيعًا للمنتجات. وهذا بسبب خوف العملاء من السّعر المنخفض للمنتج الذي باعتقادهم يمتاز بجودة أقلّ من منتج المنافسين. وانطلاقًا من هنا نجد أن التّسعير عنصر أساسي من عناصر المزيج التّسويقي إلى جانب المكان والمنتج والتّرويج.
وفي هذا المقال سنلقي الضّوء على أهداف استراتيجية تسعير المنتج، وماهيّة الاستراتيجيات المتّبعة في تسعير المنتجات، إضافةً لأهميّة تسعير المنتجات وكلّ ذلك من خلال منصّة تجارتنا. تابع مقالنا للنّهاية لتحقّق الغاية.
مفهوم تسعير المنتجات
ما هي استراتيجية تسعير المنتج؟ إن تسعير المنتج هو الأسلوب أو النّهج الذي يتّبعه صاحب المشروع وذلك لتحديد القيمة الخاصّة للمنتجات الّتي يقدّمها للعملاء والسّوق مقابل مبلغ مالي محدّد يتلقّاه من العميل. فالتّسعير عبارة عن عملية تحديد سعر مناسب للمنتجات. كما يتضمّن عددًا من القرارات الّتي تستند إلى تحقيق الأهداف المختلفة من خلال استراتيجيات التّسعير السليمة. كما ترتبط الأهداف بالرّبحية، أو حجم المبيعات، أو حصص السّوق أو المنافسة. وبناءً على ذلك فإنّ عملية تسعير المنتج تبنى على أسس واستراتيجيات هامّة لا بدّ لأصحاب المشاريع الصّغيرة والكبيرة على حدّ سواء أن يكونوا على درايةٍ بها لوضع التّسعير المناسب للمنتج ليحقّق أهداف مشاريعهم. ما هي أهداف استراتيجية تسعير المنتج إذًا؟ دعونا نتعرّف عليها.
أهداف استراتيجية تسعير المنتج
إنّ لكلّ صاحب مشروع أهداف استراتيجية تسعير المنتج التي يصبو إليها، وبالتّالي قد أنشأ مشروعه بناءً عليها. ولكي يصل كل صاحب مشروع لهدفه لا بدّ له من تسعير منتجه بطريقة صحيحة، مستندًا إلى الأهداف التّالية:
- استمرارية المنتج: حيث يسعى جميع أصحاب المشاريع لتحقيق ديمومة منتجهم في الأسواق، كما يسعون لاستمراريّة مشاريعهم لأطول فترة ممكنة في السّوق. وكنتيجة لذلك فتكون أسعار منجاتهم مغطّيةً للتّكاليف.
- الحصول على أرباح من المنتج: ممّا لا شكّ فيه أنّ هدف الكثير من أصحاب المشاريع الكبيرة أو الصّغيرة تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح في زمن قياسي، وعلى هذا فإنّ أسعار منتجاتهم تكون أعلى من أسعار المنافسين بُغية تحقيق أرباح عالية.
- زيادة حصّة المنتج السوقية: كما نعلم يسعى أصحاب المشاريع للسّيطرة على حصّة سوقيّة أكبر لمنتجاتهم، أو العمل على زيادة حصص السّوق لمنتجهم. مثلا لنفترض أنّ الحصّة السّوقية لمنتج ما قد تكون 5%، فيسعى صاحب المشروع لزيادتها فتصبح 10% أو أكثر. وانطلاقًا من هنا تكون أسعار منتجاتهم أقل من أسعار المنافسين بهدف زيادة عدد العملاء وتحقيق أعلى نسبة مبيعات.
- تحقيق جودة عالية للمنتج في السوق: طبعًا من ألمع الأهداف وأكثرها أهميّةً بالنّسبة لأصحاب المشاريع هو أن يتّسم منتجهم بجودة عالية وذلك ليكتسح السّوق بشعبيته لدى العملاء. لذا لتحقيق الجودة العالية للمنتج لا بدّ من اختيار خامات ممتازة إضافةً لتوظيف اليد العاملة الخبيرة لإنتاجه. وكنتيجة لذلك فإننا نجد أنّ أسعار هذه المنتجات تكون مرتفعةً نوعًا ما كونها ذات تكلفة كبيرة أيضًا.
استراتيجيات تسعير المنتج
إنّ أهداف استراتيجية تسعير المنتج أصبحت واضحةً ومعروفةً، ولكن ما هي استراتيجيات تسعير المنتج الواجب الاستناد عليها لتحديد السّعر الأنسب للمنتج؟ حيث تتوّفر استراتيجيات كثيرة لتسعير المنتجات يمكن أن يتبنّاها أصحاب الشّركات والمشاريع الصغيرة والكبيرة. ولكن قبل كل شيء من الضّروري تحديد أهداف النشاط التّجاري، والعمر الحقيقي للمشروع وذلك لأنّ لكل هدف طريقة تسعير خاصّة. كما أن لكلّ مرحلة سياسة تسعير مرتبطة بها.
والأهم من ذلك كله يجب الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المنتج إضافةً للجمهور المستهدف والمنافسين إلى جانب السّوق الخاصّة بالمنتج والتي تلعب دورًا رئيسيًا في عمليّة التّسعير. إذًا سنستعرض الآن استراتيجيات تسعير المنتج وهي:
التسعير حسب التكلفة
تبنى هذه الاستراتيجية على أساس حساب تكاليف الإنتاج مضافًا إليها هامش الرّبح المطلوب. على سبيل المثال: لدينا منتجات يدويّة مثل أساور من الخرز وسنحدّد سعر بيع السّوار الواحد استنادًا على عدّة خطوات وهي:
- تحديد تكلفة المادة الخام: لا بدّ من تحديد المواد الخام المستخدمة في إنتاج السّوار، وبالتّالي كلفة كل مادة منها.
- تحديد الوقت المستغرق في الإنتاج: أي الوقت الذي استغرقه المنتج ليخرج للسّوق، ومن ثمّ تحويل هذا الزّمن إلى أرقام ماليّة. فمثلًا قد تكون حدّدت ساعة العمل بما يقارب 10 جنيهات أو 20 فتحاول إجراء عمليّة حسابية بسيطة لمعرفة السّعر المناسب.
- تحديد التكاليف الأخرى: كمصاريف النّقل أثناء شراء المواد الخام، إضافةً لتكاليف شحن المنتج للعميل كما يضاف إليها تكلفة استهلاك الكهرباء والإعلانات المموّلة وغيرها.
- تحديد هامش الرّبح: وهي الخطوة الأخيرة قبل تحديد سعر بيع المنتج. حيث لا توجد نسبة محددة لهامش الرّبح، فالبعض يختار نسبةً مئويةً من تكاليف الإنتاج وآخرون يحدّدون رقم بعينه. كما أنّ هذه الطريقة بسيطة وتعطيك نتائج دقيقةً لتسعير المنتجات كما وتضمن نسبة ربح محدّدةً.
التسعير على أساس سعر السوق
فـبعد إجراء دراسة وافية وكافية للسّوق والاطّلاع على أسعار المنافسين يمكن حينها تحديد سعر المنتج بناءً على ذلك إمّا بسعر أعلى من المنافسين او بسعر منافس أو مماثل. ومثل الكثير من الاستراتيجيات إنّ لهذه الاستراتيجية بعض العيوب كونها لا تضمن تحقيق ربح عالٍ من بيع المنتجات.
تسعير المنتج لاختراق السوق
إنّ البنى الأساسية لاختراق السّوق مبنية على بيع المنتجات بأسعار منافسة لسوق المنافسين. أيّ أسعار أدنى من أسعار منتجات المنافسين وتتبع هذه الاستراتيجية عند دخول منتج جديد في السّوق. وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء وتحقيق نسبة مبيعات عالية وزيادة الحصّة السّوقية. وهنا تنخفض تكاليف الإنتاج وترتفع الأرباح وذلك نتيجة لزيادة الوحدات المنتجة.
تسعير المنتج لكشط السوق
وهي استراتيجية مغايرة تمامًا لاستراتيجية اختراق السّوق. حيث ترتكز استراتيجية التّسعير لكشط السّوق على أساس تسعير المنتجات بأسعار أعلى من أسعار المنافسين لتحصيل الأرباح بوقت قصير. كما تتبنّى هذه الاستراتيجية أصحاب المنتجات الجديدة كليًّا في السّوق والتي تضاهي بقيّة المنتجات في الجودة.
التسعير للمنتج على أساس القيمة
إنّ الرّكيزة الأساسية لهذه الاستراتيجيّة تتبلور في ماهيّة المنفعة العائدة للعميل من المنتج. وانطلاقًا من هنا يعمل أصحاب المنتجات على تلميع وإظهار مزايا وفوائد منتجاتهم لحثّ العملاء على شرائها. إضافةً للعمل الحثيث لنيل رضا العملاء عن المنتج ومن ثمّ وضع السّعر المناسب لهم.
تسعير المنتجات على أساس العرض والطلب
حيث أن ما يحدد سعر المنتج هنا هو ظروف العرض والطلب الخاصة بالسوق والتي تتناسب تناسبًا عكسيًا. فنجد عند زيادة المعروض ينخفض السعر والعكس صحيح. على سبيل المثال: الملابس مع نهاية فصل الصيف بالطبع يقل الطلب على الملابس الصيفية من قبل العملاء وبالتالي تنخفض أسعارها. وبالعكس عند بداية فصل الصيف يزداد الطلب على الملابس الصيفية مترافقًا مع زيادة الأسعار. وهذا ينطبق أيضًا على الفواكه إذا كانت في غير موسمها.
التسعير النفسي للمنتج
ترتكز هذه الاستراتيجية على موضوع التلاعب بنفسية العميل. فمثلًا بدلًا من تسعير منتج بمبلغ 10 جنيهات يمكن تسعيره بمبلغ 9.99 جنيه. حيث أن العميل يميل لإهمال القروش ويركز على الرقم الصحيح فقط فيبادر لشراء المنتج ذو السعر الأقل بنظره. مع العلم أنه لا فرق بين الرقمين إلا قرش واحد ولكن الجانب النفسي لسعر المنتج يحفّز العميل لشراء المنتج ذو السعر الأقل بحسب وجهة نظره.
التسعير المنخفض للمنتج
تبنى هذه الاستراتيجية على عرض المنتجات لعملاء بسعر منخفض من أسعار المنافسين. وبالطبع تكون تكاليف إنتاجها قليلة وبالتالي هي منتجات ذات جودة متدنية.
تسعير المنتجات المرتفع
وهي استراتيجية متبعة لتسعير المنتجات الجديدة والمتميزة التي دخلت السوق بقوة وتفرد ولا تضاهيها منتجات أخرى بالجودة والميزات. حيث تسعر بسعر مرتفع يفوق أسعار المنافسين.
أهداف تسعير المنتج
تصنف أهداف تسعير المنتج إلى:
أهداف التسعير المتعلقة بالأرباح
فالرّبح هو الهدف المهيمن على الأنشطة التّجارية، وتهدف استراتيجيات التّسعير والسياسات الخاصّة بشركة ما إلى اتّباع الأهداف المتعلّقة بالأرباح وهي:
- الحد الأقصى للربح الحالي: الذي يهدف لكسب أكبر قدر ممكن من المال، حيث تعمل الشّركة على تحديد سعر منتجها بطريقة يمكن من خلالها جني المزيد من الأرباح الحالية. ومع ذلك لا يمكن للشّركة تحديد سعرها بما يتجاوز الحدّ المسموح به. إلّا أنّه يركّز على أقصى قدر من الأرباح.
- العائد المستهدف على الاستثمار: حيث نجد أنّ معظم الشّركات ترغب في كسب معدّل عائد معقول على الاستثمار، وقد يكون هذا العائد نسبةً ثابتةً من المبيعات أو مبلغ ثابت. كما تضع الشّركة استراتيجيات خاصّةً بها للتّسعير بشكل يسمح بتحقيق إيرادات المبيعات. حيث يستوي في النّهاية متوسط العائد على إجمالي الاستثمار.
أهداف التسعير المتعلقة بالمبيعات
وتشمل أهداف التّسعير الرئيسية المتعلّقة بالمبيعات وهي:
- نمو المبيعات: حيث يكون هدف الشّركة هو زيادة حجم مبيعاتها، فتحدّد الشّركة سعر منتجها بطريقة تحقّق لها المزيد من المبيعات. كما يفترض أن يكون لنموّ المبيعات تأثير إيجابي مباشر على الأرباح. ففي النّهاية يهدف تحديد السّعر وتغييره وتعديل سياسات التّسعير إلى تحسين المبيعات.
- الحصة السوقية المستهدفة: حيث تهدف شركة سياسات التّسعير إلى الحفاظ على حصّة السوق المستهدفة، وهي عبارة عن حجم محدّد للمبيعات يحدد بإجمالي المبيعات في صناعة معيّنة.
أهداف تسعير متعلقة بالمنافسة
تعتبر المنافسة عاملًا قويًا ذا تأثير كبير على أداء التّسويق. فلا بدّ من دراسة المنافسين في السّوق، حيث تردّ كل شركة على منافسيها من خلال استراتيجيات العمل المناسبة. وتأتي أهداف التّسعير المتعلّقة بالمنافسة كما يلي:
- يقدم التسعير اهتمامات لمواجهة المنافسة: بما أنّ السّوق يتميّز بالمنافسة الشّديدة، فتعمد الشّركات لوضع سياسات تسعير خاصّة بها بطريقة تجعلها تستجيب بقوّة للمنافسين. حيث يكون السّعر وسيلةً قويةً للردّ على مستوى المنافسة وشدّتها.
- إبعاد المنافسين: وهو هدف رئيسي للتّسعير، فعند إبعاد المنافسين لن نضطّر لمحاربتهم. ولكي نحقّق هذا الهدف تحاول الشّركة الحفاظ على سعرها عند أدنى مستوى ممكن لتقليل جاذبيّة المنتجات للرّبح. كما قد تلجأ الشّركات لبيع منتجاتها بالخسارة لتحقيق هذا الهدف وإبعاد المنافسين.
- تحقيق الرّيادة النّوعية: وهي صورة ترسم في ذهن المشتري لتوهمه أن السّعر المرتفع يرتبط بمنتج عالي الجودة. وهنا تصمّم الشّركة سياسات تسعير خاصّة بها لتكوين صورة إيجابية عن منتجها.
أهداف متعلقة بالعملاء لتسعير المنتج
طبعًا العميل هو المحور الرّئيسي الذي تتمحور حوله عمليّة التّسويق. لذلك تعمل الشّركات لتحقيق الأهداف التّالية من خلال استراتيجيات التّسعير:
- كسب ثقة العميل: حيث تضع الشّركات سياسات التّسعير لكسب ثقة العملاء المستهدفين. وذلك من خلال تأكيد أنّ السّعر الذي تجنيه الشّركة مقابل المنتج غير مبالغ فيه. مما يجعل العميل يشعر بالرّضا بعدم تعرّضه للغشّ.
- إرضاء العميل: حيث أنّ إرضاء العميل هدف أساسي تبنى عليه استراتيجيات التّسويق، ويمكن للشّركة الوصول لهذا الهدف من خلال تعديل أو تغيير سعر المنتج بما يناسب ويرضي العميل.
وهناك أهداف كثيرة أخرى للتّسعير كاختراق السّوق، والحفاظ على السّمعة في السّوق إضافةً للحصول على أقصى ربح وغيرها.
وختامًا نجد أنّ عمليّة تسعير المنتجات لا تعتمد على طرق عشوائيّة، وإنّما ترتكز على أسس معرفيّة هامّة كدراسة السّوق وماهيّة المنتج، والجمهور المستهدف إضافةً لمعرفة المنافسين إلى جانب الهدف من النشاط التّجاري وما هي مرحلة النّشاط التّجاري وغيرها. ومن هنا يجب دراسة كل هذه الأسس لتحقيق أهداف كلّ مشروع ينفّذ على الأرض.