تُعَدّ قطر بلا منازع أكبر مستثمر عربي في تونس في السنوات الأخيرة, فالتعاون الإستراتيجي بين البلدين يتقدمُ بوتيرةٍ متسارعةٍ, حيثُ سلكَتْ العلاقات التونسية القطرية منعطفاً إقتصادياً هاماً لاسيما في ظل التعاون الذي شمل كُلَ المجالات تقريبا لتكون بذلك قطر قد تبوأت مكانةً رياديّةً عربيةً تونسيةً في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي, وتواصلِ الجدل تحت قبة البرلمان التونسي حول اتفاقيتي الاستثمار والتعاون مع كل من قطر وتركيا.
اختلاف الآراء التونسيّة حول الاستثمارات القطريّة
وصفَ راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، علاقاتَ بلده مع قطر بأنها “نموذجيّة واستراتيجيّة”, وأوضحَ الغنوشي في حديثٍ لصحيفة “الشرق” القطريّة أنَّ “العلاقات بين تونس وقطر تحترم الإرادة الحرة لشعبيهما، وتجسدُ واقعياً تبادل المصالح، وتخدم عملياً ما ينفع الناس”, وأوضحَ أنَ “عمق الروابط والعلاقات التي تجمع بين قطر وتونس تَوجَتّها الزيارات والاتفاقيات المتبادلة بين قيادتي البلدين”, مشيراً أنّ العلاقات بين البلدين شهدت زخماً كبيراً من خلال دعم الحكومة القطرية لتونس بنحوِ مليارِ دولارِ في شكل ودائع وهِبات، كما أنَّ الصندوق القطري يسعى لتوفير 100 ألف فرصة عمل في تونس.
إلّا أنّ الاستثمار القطري في تونس في قطاع شركات الأدوية الطبية و قطاع الزراعة الحيويّة بالتحديد اعتبره البعض خرقاً وانتهاكاً لسيادة القرار الوطني, الشيء الذي سبب جدلاً سياسيا كبيراً داخل مجلس نواب الشعب التونسي ولدى بعض القوى والنخب السياسيّة بخصوص مشروع قانون يتعلق بالتبادل التجاري والاستثمار المشترك بين تونس وقطر, بينما رحبَتْ أحزابٌ سياسيّةٌ تونسيّةٌ أخرى بالتعاون القطري التونسي واعتبرته دعامةً للإقتصاد التونسي المتعثر بسبب الازماتِ المتتاليةِ، فمصلحة تونس تقتضي الإسراع بعقد الاتفاقيات لما توفرانه من فرص للاستثمار والتشغيل، إضافةً إلى خلوّهما من أيّ مسّ بالسيادة الوطنية، فيما عارضت أخرى وأكّدت أنّها ترسّخ التبعيّة وتستهدفان السيادة الوطنيّة.
الاستثمارات القطريّة في تونس
شجعت مؤسسة “صلتك” التنموية الدولية الغير حكوميّة التي تاسست في قطر سنة 2008؛ النشاطات العديدة الرامية إلى توفير فرص عمل واسعة النطاق، وتعزيزِ ريادة الأعمال، وإتاحةُ المجال أمام الشباب العربي التونسي للوصول إلى رؤوس الأموال والأسواق، وللمشاركة والانخراط في التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة, كما أشادَ الغنوشي بالجهود التي تبذلها مؤسسة “صلتك” داخل بلاده و التي ساعدت تونس في إشهار و تصدير منتجاتها إلى أوروبا, كما ساهمت بشكل مباشر في العديد من المشاريع الصناعيّة في تونس كانشاء مصانع مركزات الفاكهة للتصدير, ومعاهد للتدريب التقني والمهني بالإضافة إلى مستشفيات بالشراكة مع الدولة التونسيّة في مدن تونسيّة عدة, وسجلَ التبادل التجاري بين قطر وتونس زيادة بنسبة 321% خلال السنوات الثلاثة الماضية بمعدل نمو سنوي بنحو 101% حيث تُمثل استثمارات قطر نحو 43% من مجموع الاستثمارات الخارجية في البلاد، وفق إحصائيات رسمية صادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، بما يفوق 580 مليون دينار، أي ما يعادل 215 مليون دولار, كما أنَّ بين الدوحة وتونس أكثر من 80 اتفاقية تعاون اقتصادي من بينها 10 اتفاقيات وقعت في عام 2019، وتعود أول اتفاقية بين البلدين إلى العام 1982. وأضاف وزير الشؤون الخارجيّة، عثمان الجرندي “أنّ قطر أعربت، على لسان الأمير تميم بن حمد، عن رغبتها في تطوير الاستثمارات في تونس وتشخيص مجالات جديدة من اجل تنويع هذه الاستثمارات ولا سيما في القطاعات المجدّدة وفي قطاع الصحة”، بما يساهم في الترفيع في نسق التبادل الاقتصادي بين البلدين, وكان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد أبدى عن مشروعين كبيرين تسعى تونس لإنشائهما؛ هما مدينةٌ صحيّةٌ في محافظة القيروان (وسط تونس)، ومنصةِ تحويلِ منتجاتٍ زراعيّةٍ في محافظة سيدي بوزيد في سبيل توفير الوظائف وإنعاش الاقتصاد الكلي للدولة مُشيراً إلى أن تونس تتطلع إلى شريكٍ قويٍ وقادر على الوفاء بالتزاماته في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، التي فرضتها جائحة كورونا.
يبدو أنًّ دولة قطر حريصةٌ منذ فترة كبيرة على خلقِ فرصِ عملٍ جديدة في الشارع التونسي من خلال الاستثمار، فضلا عن خلقِ فرصِ عملٍ أيضاً داخل دولة قطر للمواطنين التونسيين، الذي وصل عددهم إلى أكثر من 30 ألفَ تونسي يعمل بقطر
واتفاقاتٍ حكوميّةٍ و خاصةٍ في قطاعات حيويّة خاصةً في قطاعات النقل والسياحة والاتصالات و الصحة و الزراعة والأمن والدفاع و الغذاء للتخفيف من وطأة الضغط الذي يواجهة الاقتصاد التونسي, فيعود السؤال إلى الشارع التونسي عن مراد الجانب القطري و تدخله و هيمنته على الاقتصاد التونسي .