إن مجرد التفكير في كيفية تدبير الأسرة السورية لاحتياجاتها من الكساء ، وفي ظل تركيز عموم المجتمع على أساسيات غذائية بالحد الأدنى ، يدفعك للتسليم المتضرع إلى الرحمة الربانية القادرة وحدها على الستر ، تحقيقا” لهذه المعادلة المستحيلة .
– ذلك أن الأرقام الفلكية لأسعار الألبسة بأنواعها سواء النسائية أو الرجالية والمحير وللأطفال  ، في مختلف أسواق المحافظات السورية ، لاتنتمي بحال من الأحوال إلى واقع القدرة الشرائية لدى أصحاب الدخل المحدود ، الذي مهما اتسعت آفاقه عبر الأحلام المشروعة، وما يتردد من إمكانية رفده بزيادة مالية ملحوظة ، لن يفلح في مجاراة ما طرأ على هذه الأسعار من ارتفاعات بلغت ثلاثة أضعاف بالحد الأدنى خلال فترة زمنية لاتتعدى العام .

أسباب ونتائج

و على الرغم من أن ارتفاع أسعار الألبسة عموما بدأ مع موجة الغلاء الشاملة خلال سنوات الحرب ،  وبالتوازي مع إفرازاتها على مدى عشر سنوات خلت ، إلا أن ما طرأ من ارتفاع خيالي خلال العام المنصرم  على عموم المنتجات السورية وقطاعاتها المختلفة كان مثارا” للجدل  وخاصة فيما يتعلق بقطاع الصناعات النسيجية والخيوط المحلية على اعتبار أن القطن كان المحصول الأول زراعيا” والثاني صناعيا” في سورية من حيث المساهمة في تأمين القطع الأجنبي بعد النفط ، وذلك قبيل الحرب ، كما يعود تاريخ الغزل والنسيج إلى زمن الكنعانيين قبل آلاف السنين . وبالتالي من المنطقي أن يكون قطاع الصناعات النسيجية هو الأكثر صمودا” في مواجهة الضغوطات الاقتصادية على البلد . والقشرة التي أحن ماتكون على العود المنهك .
إلا أن ما انتاب هذا القطاع من أضرار زراعية سواء الحرائق التي أصابت المحاصيل القطنية ، وخروج أراضي المزارعين عن الإيردات ، إضافة إلى تكاليف الوقود والأسمدة والعمالة ، أدى إلى انخفاض إنتاج القطن ، وتوقف العديد من المحالج عن العمل بعد احتراق مستودعاتها .
وبالتالي ارتفع سعر الغزول القطنية بنسبة ٥٠ بالمئة حسب ما صرح العديد من الاقتصاديين . و تم تسريح مايفوق ال ٢٠ بالمئة من اليد العاملة في هذا القطاع ، ما انعكس سلبا” على القدرة الشرائية و حركة السوق وانخفاض واردات الأرباح العائدة على الخزينة . رافق هذه العوامل غياب الدراسة الموضوعية للأسعار وتدني جودة المنتج حيث ارتفع سعر الخيوط ، بينما خسرت هذه الخيوط مواصفات جودتها ، وتحمل المواطن المستهلك أعباء هذا الواقع باعتباره المحرك الأساسي للسوق الداخلية .

تلاشي أسواق الألبسة الشعبية والمستعملة في دوامة الغلاء

وفي ظل تلك المعوقات وعجز الخيط المحلي عن مجاراة الخيوط الأجنبية المنافسة كالهندية والتركية، إضافة إلى تماهي أصحاب النفوس الضعيفة في التحكم ببضائع السوق ومواعيد طرحها أو شحها بحسب المواسم والطقوس كل هذه العوامل رفعت الأسعار إلى ماوصلنا إليه اليوم وتلاشت معه الأسواق الشعبية والألبسة الأوروبية المستعملة ( البالة ) التي كانت ضالة الكثير من أصحاب الدخل المحدود ، إلا أن أسعارها فرض عليها مجاراة هذا الواقع إلى حد ما دون تفسير منطقي للأسباب ، ما جعل المستهلك في حالة من الضياع والإحساس بالغبن مابين مجمل الخيارات التي لاتتناسب مع قدرته الشرائية .

وعلى سبيل المثال بلغ  سعر جاكيت شتوي أو  بلوزة نسائية ( توينز )  في مجمل أسواق العاصمة أو في  المحافظات ما يوازي الأجر الشهري للموظف ويفوقه أيضاً.

وقس على ذلك أمثلة لاحاجة لوقوف عندها كونها معروفة الجميع .

ما يتطلب أولا”

●  تدخلا” جذريا”  على مستوى رقابة الأسواق وضبط المخالفات السعرية ، التي لاتتناسب مع مستوى الجودة .

●  وثانيا” وهو الأهم استراتيجيا”  دعم الصناعات النسيجية الوطنية التي تعتبر ركيزة الاقتصاد والعمل على عودتها إلى مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وعراقة إنتاجها .