العالم يتوجه نحو تجارة الكربون، حيثُ قبل 16 عام، ابتكرت دول العالم سوقاً يقوم على ما اعتُبر آنذاك فكرة ثورية. وتقضي الفكرة بإلزام الشركات بالعمل على خفض انبعاثاتها من الغازات المُلوثة، من خلال إصدار تصاريح تسمح لهذه الشركات بإطلاق الانبعاثات المُلوثة إلى حدٍّ معين فقط.

وبموجب هذا السوق، فإنَّه يتعيَّن على الشركة إذا تجاوزت حصتها المسموح به من الانبعاثات، شراء تصاريح تسمح بإصدار الانبعاثات من شركات أخرى. وبالمثل، فإذا كانت الشركة أقل تلويثاً للبيئة، يمكِّنها هذا السوق من بيع تصاريحها الإضافية لتحصيل الأموال.

هذا البرنامج، الذي يمكن وصفه بتبادل الكربون وتجارته، والذي تمَّ تصميمه على غرار البرنامج الأميركي للسيطرة على الأمطار الحمضية، يهدف إلى تحديد مستويات إطلاق ثاني أكسيد الكربون لأكثر من 11 ألف منشأة في أوروبا، وتعمل في قطاعات مختلفة مثل: الطاقة، والورق، والإسمنت ولاحقاً، الطيران.

تجدر الإشارة إلى أنه عندما انتاب الاقتصاد العالمي حالة من الذعر والفوضى في عام 2008، تراجعت الانبعاثات بشدة، ما أدى إلى تدهور أسعار الكربون.

وتفاقمت المشاكل بسبب استيراد تصاريح كربونية أرخص من الخارج، سبق أن تمَّ إصدارها ضمن إطار برنامج للحد من الكربون يخضع لإشراف الأمم المتحدة.

وبحلول عام 2013، تراجعت تكلفة انبعاث الكربون من أعلى مستوى لها قبل الأزمة، عند 31 يورو (38 دولاراً) لكل طن متري، إلى 2.50 يورو فقط.

توقعات بارتفاع تكلفة تصاريح الكربون

بعد 3 عمليات إصلاحية نجحت بتقليل عدد التصاريح المتاحة، عاد نظام تبادل الانبعاثات في أوروبا (ETS)  إلى المسار الصحيح. وذلك رغم انخفاض الإنتاج بسبب جائحة فيروس كورونا.

وكانت تكلفة انبعاث طن من ثاني أكسيد الكربون، بلغت 35.42 يورو في 12 يناير 2023، في ما يعدُّ رقماً قياسياً.

وتتوقَّع شركة “إنرجي أسبكتس” للاستشارات أن يصل تسعير الكربون إلى 40 يورو هذا العام.

وقال نائب المفوضية الأوروبية ومفوض شؤون المناخ في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانس: “لقد أظهر نظام تجارة الانبعاثات في أوروبا (ETS) أنه نظام مرن، وهو الآن يزداد قوة، إنه أحد أفضل الأدوات للتأثير على سلوك الصناعة، والتقليل الضروري في استخدام الكربون”.

التأثير على تنافسية الشركات الأوروبية 

ووفقاً لـ”بلومبرغ NEF”. فإن من الممكن أن تؤدي الإجراءات الأكثر صرامة التي ينظرها الاتحاد الأوروبي إلى رفع تكلفة انبعاثات الكربون إلى 80. يورو للطن المتري مع حلول عام 2024.

إلا أنه من غير المرجّح تنفيذ السيناريو المذكور؛ لأنَّ الحكومات الأوروبية ستقاوم وضع شركاتها في وضع تنافسي غير مواتٍ. فقد تقلل هذه الإصلاحات من فرص الشركات الأوروبية بالمنافسة مع شركات من مناطق لا تضع حدوداً لإطلاق الانبعاثات الكربونية.

ويتوقَّع جان أولسن. رئيس الوحدة المعنية بقضايا الكربون في الاتحاد الأوروبي في “بلومبرغ NEF”. أن تظلَّ أسعار الكربون عند أقل من 50 يورو للطن المتري، حتى منتصف العقد الحالي. إذ تسعى المفوضية إلى تشديد أهداف الانبعاثات مع تثبيط الشركات عن نقل الإنتاج إلى مناطق ذات قواعد مناخية أقل تشدداً.

ويقول أولسن: “هناك شيء واحد مؤكَّد، وهو أنَّ أسعار الكربون ستتحوَّل من كونها مجرد مسألة تنظيمية إلى مخاطرة استراتيجية للشركات”.

أدَّى سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي بالفعل إلى خفض كبير في الانبعاثات في قطاع الطاقة. فقد انخفض تلوث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 15% في عام 2019. إذ حلَّت الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري.

ويظل التحدي الأكبر مرتبطاً بتطبيق ذلك في قطاع الصناعات الثقيلة. التي سجَّلت انخفاضاً بنسبة 2% فقط في انبعاثات الكربون خلال عام 2019.

وسيتطلَّب تسريع عملية التحول استيعاباً هائلاً للطاقة النظيفة الرخيصة. في ظل دعم العديد من الدول الأعضاء لتقنيات جديدة تجري دراستها، مثل تزويد المصانع بالوقود الهيدروجيني.

وبحسب إنجو رامينغ، خبير الكربون في البنك التجاري الألماني “كوميرز بنك”. فإنه مع تقلُّص منظومة التصاريح، ستحتاج الشركات إلى الاختيار بين الاستثمار في الإنتاج الأنظف -الهدف الحقيقي للبرنامج-. أو شراء المزيد من الاعتمادات أو التصاريح. وبالتالي سيستمر الضغط التصاعدي لزيادة أسعار الكربون.

ويقول رامينغ: “أدَّت زيادة أسعار الكربون في أوروبا. والنقاش العام حول تغيُّر المناخ إلى نقل الاستدامة من حيز الامتياز إلى تيار سائد. ليصبح هذا التوجُّه جزءاً من استراتيجية الشركات”.

العالم يتوجه نحو تجارة الكربون…

ترشيحات: ارتفاع كبير في مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة في المملكة المتحدة