إنًّ ازدياد تعقيد الأجهزة الالكترونية وزيادة الطلب العالمي على المعالجات وكروت الشاشة, وضرورة تلبية الحاجة الملحّة لزيادة القدرة الحاسوبيّة على المعالجة دفعت بالصين إلى زيادة وارداتها من أشباه الموصلات-التي تعدُّ حجر الأساس للمنطق و المعالجة الحاسوبيّة- إلى أكثر من 300 مليار دولارٍ أمريكي في عام 2019 وكانت أكبر عنصرِ استيراد في البلاد, حيث توفر الصين 30% فقط من رقائقها محلياً رغم اتخاذ بكين جهوداً مستمرةً منذ 30 عاماً لبناء قطاع محلي لصناعة الرقائق الالكترونيّة, وقد أصبحت اجتماعات مندوبي الحزب الشيوعي الصيني في الأونة الأخيرة متركزة بشكل كثيف على تحقيق إكتفاء ذاتي من أشباه الموصلات بسبب الإلحاح والتشديد من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إخناق مجموعات التكنولوجيا الرائدة في الصين و أهمها شركة هواوي.

الاكتفاء الذاتي ضرورة للأمن القومي الصيني

منعَتْ واشنطن الشركات المصنعة في جميع أنحاء العالم من تصنيع الرقائق لشركة الاتصالات الصينية “هواوي”, و ربما أصدرت حكماً بالإعدام على الشركة التابعة لها “أتش أي سيليكون”, حيثُ فرضت الولايات المتحدة الأمريكيّة قيوداً على الشركات الأمريكيّة من إمدادِ الشركة الدوليّة الصينية- التي تُعدْ الشركة الصينية الأكثر تطوراً في صناعة الرقائق- باللآلات الازمة لصياغة أشباه الموصلات من أجل صنع و تصميم الرقائق بالمواصفات المطلوبة, كما يعتقد الخبراء والمسؤولون التنفيذيون في الصناعة أنًّهُ حتى مع استعداد الصين لضخ 1.4 تريليون دولار أخرى في قطاع التكنولوجيا الخاص بها بحلول عام 2025, فإنَّ هذا الجهد الأمريكي المستهدف لخنق البلاد فيما يتعلق بإمدادات أشباه الموصلات ووسائل تصنيعها يجعل دفع بكين لتطوير قطاع الرقائق المحلي أكثر صعوبة, كما أن الشركات الصينية الحالية حتى في توافر التكنولوجيا الازمة للصناعة و المواد الأوليّة(السيلكون) لا تستطيع إكفاء الطلب المحلي الصيني, ففي العامِ الماضي, من أصل قيمة 22.7 مليار دولار من الدوائرِ المتكاملةِ المصنوعة في الصين, أنتجَتْ الشركات الصينية المحليّة ما قيمته 8.3 مليار دولار فقط (36.5%). يمثل هذا 5.9% فقط من سوق الدوائر المتكاملة في الصين البالغ 143.4مليار دولار, حيثُ أنتجَتْ الشركة التايوانيّة لصناعة الموصلات و شركات أخرى مثل “إنتل”و “كوالكوم” و”سامسونغ” وغيرها من الشركات التي لديها مصانع في الصين الرقائق المتبقيّة, مما يستدعي أنْ تعطي الصين الأولوية لتطوير أساسات البناء الأساسيّة لتصنيع الرقائق وإيقاف الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكيّة.

صعوبة عمليّة التطوير و الاكتفاء الذاتي

يتطلب التقدم في تصنيع أشباه الموصلات مهارات وخبرات لا يمكن تطويرها بين عشيّةٍ وضحاها, وتكمُن مشكلة الصين الحقيقيّة في قدرتها على تصنيع رقائق عالية الجودة, والّذي يتطلبُ تصنيعَ أشباه موصلات بدقّةٍ عاليّةٍ, بحيثُ تَحزِمُ الرقائق القويّة أكبرعددٍ ممكنٍ من الترانزستورات في رقائقٍ أصغرَ حجماً وأكثر كفاءةً, ورغم نجاح شركة هواوي بتصميم و إنتاج شريحة داخليّة ممتازة لهواتفها الذكيّة منافسةً لمقاييس منافسيها من شركاتٍ مثل “سامسونغ” و “كوالكوم”, إلّا أنَّ الشريحة (كيرين) تُصنّع في الشركة التايوانيّة لتكنولوجيا أشباه الموصلات بمعداتٍ وأجهزةٍ أمريكيّةٍ . و تُعَدُّ جغرافيّةُ الصين لربما السبب الأساسي في تأخرها عن منافسيها اللآسيويين كاليابان و كوريا الجنوبيّة و تايوان التي استفادت من رؤوس الأموال و الخبرات الأمريكيّة بعد الحرب الباردة حيثُ كانت الصين قد خرجت لتوها من الثورة الثقافيّة التي استمرت لعقدٍ من الزمان والتي داست المساعي العلميّة, يعني هذا الإرث أنَّهُ حتى بعد بدء الإصلاح والانفتاح في عام 1978, خلال الثمانينيات والتسعينيات, كانت الصين تفتقر إلى المهندسين المهرة لتطوير الابتكار في الصناعة, حيث يوجد حاليا نقص في القوى العاملة يقارب 200 ألف في الصناعة الصينية من الباحثين المهرة المتخصصين في تطويرِ الرقائقِ المتقدمةِ و قد يستغرقُ صانعو الرقائق الصينيون 7-10 سنوات أخرى للحاقَ بالمنافسين التايوانيين وحتى ذلك الحين, فهم يطاردون هدفًا متحركًا حيثُ الشركة التايوانيّة الرائدة قد بدأت بالفعل في تطويرإنتاج معماريّة معالجات 3 نانومتر بينما المعالجات الصينيّة قد بدأت للتو في بناء و إنتاج معالجات بمعماريّة 14 نانومتر القديمة, كما أن الصين لم تبدأ بعد بتصميم معالجات الحواسيب المكتبيّة و الكمبيوترات الخارقة المسؤولة مثلاً عن حفظ البيانات الضخمة. فيبدو هدفُ الصين في إنتاج 70٪ من أشباه الموصلات محلياً بحلول عام 2025 كجزء من خطتها الأوسع نطاقًا لتحقيق الريادة العالمية في التصنيع في صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات أمراً مستبعداً حالياً.