منذ طفولتنا يطرق سمعنا مفهوم التنمية المستدامة، غير مدركين حقيقة هذا المصطلح، أو الغاية الدقيقة منه. إذ يدور مفهوم التنمية المستدامة حول تحقيق التوازن العام، وحماية حقوق الأجيال القادمة، بدلًا من استغلال جميع الخيرات حولنا. ففي وقتنا هذا، لا يزال الجميع يهمل الجوانب السلبية للنمو السكاني غير المتوازن، وتأثيراته على رفاه الناس وبيئتهم.

لقد حان الوقت لنبدأ بتغيير وجهة نظرنا بشأن التنمية المستدامة، ونبدأ بتطبيق مفاهيمها بشكل فردي، لنصل على الارتقاء بمجتمع مستدام.

ما هو مفهوم التنمية المستدامة

التنمية المستدامة، هي استخدام المبادئ التوجيهية للحفاظ على البيئة، وتوفير الطاقة لإنشاء مشاريع إنمائية جديدة، وصيانة المشاريع القديمة وتحديثها. ويمكن أن تشمل استخدام المواد الخضراء في البناء الجديد، وتصميم المشاريع التي يمكن عبرها الحصول على الطاقة للحد من الحمل الزائد على الكهرباء.

وقد انبثق مفهوم التنمية المستدامة كجهد تبذله الدول لتعزيز نموذج التنمية الاقتصادية العالمية بما يتوافق مع قوانين الحفاظ على البيئة والعدالة الاجتماعية؛ فيركز على النمو المادي التدريجي، حتى ينغمس الكم بالنوع. ويشمل ذلك العناية بالبيئة، وسلامة النظم الإيكولوجية، والعلاقات الاجتماعية العادلة، وغيرها. فيبرز كمصطلح مفاهيمي شامل يضم بين جناحيه خمسة أبعاد هي التنمية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والبيئية، والثقافية. فتشمل في مجموعها قضايا مثل الإنصاف، وفرص العمل، والآثار البيئية، والمساواة بين الجنسين، وتكاليف الرعاية الاجتماعية.

ويعود تاريخ التنمية المستدامة إلى خمسينيات القرن العشرين، عندما أدرك العالم أضرار الحرب العالمية الثانية على البيئة. وأطلق مفهوم التنمية المستدامة للعلن في تقرير برونتلاند. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت التنمية المستدامة قانونًا وبيانًا سياسيًا يتم بموجبه توجيه المواطنين والمنظمات والشركات والحكومات لتعزيز الإجراءات الرامية إلى تحقيق الاستدامة.

أنواع الاستدامة

يستخدم مصطلح الاستدامة بشكل عام للإشارة إلى البرامج والمبادرات والإجراءات الرامية إلى الحفاظ على مورد معين. ويشير بمضمونه إلى أربعة أنواع هي:

الاستدامة البشرية

التي تهدف إلى الحفاظ على رأس المال البشري وتحسينه في المجتمع. بالإضافة إلى الاستثمار في النظم الصحية والتعليمية، والحصول على الخدمات والتغذية والمعرفة والمهارات المتنوعة. وتركز الاستدامة البشرية على أهمية شخص يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في صنع المنتجات أو تقديم الخدمات.

الاستدامة الاجتماعية

تهدف الاستدامة الاجتماعية إلى الحفاظ على رأس المال الاجتماعي من خلال الاستثمار وخلق الخدمات التي تشكل إطار مجتمعنا. ويستوعب هذا المفهوم نظرة أوسع للعالم فيما يتعلق بالمجتمعات والثقافات والعولمة. وبالتالي الحفاظ على الأجيال المقبلة والاعتراف بتأثير ما نقوم به على الآخرين وعلى العالم.

وتركز الاستدامة الاجتماعية على الحفاظ على الجودة الاجتماعية وتحسينها من خلال مفاهيم، مثل: التماسك والمعاملة بالمثل والصدق، وأهمية العلاقات بين الناس. ويمكن تشجيعها ودعمها بالقوانين والمعلومات والأفكار المشتركة بشأن المساواة والحقوق.

الاستدامة الاقتصادية

تهدف الاستدامة الاقتصادية إلى الحفاظ على رأس المال. وإذا ركزت الاستدامة الاجتماعية على تحسين المساواة الاجتماعية، فإن الاستدامة الاقتصادية تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة.

الاستدامة البيئية

تهدف الاستدامة البيئية إلى زيادة رفاهية الشعوب عبر الحفاظ على رأس المال الطبيعي (كالأراضي، والمياه، والهواء، والمعادن الطبيعية، وما إلى ذلك). وتحدد المبادرات والبرامج بأنها مستدامة بيئيًا عندما تضمن تلبية احتياجات السكان دون التعرّض لخطر المساس باحتياجات الأجيال المقبلة. وتركز الاستدامة البيئية على الكيفية التي يمكن بها للأعمال التجارية أن تحقق نتائجًا اقتصادية إيجابية دون إلحاق أي ضرر بالبيئة على المدى القصير أو الطويل.

ركائز التنمية المستدامة

تقوم التنمية المستدامة على ثلاث ركائز هي:

تطور يلبي احتياجات الأجيال الحالية

أي أن المشاركة السياسية مطلوبة لإنشاء مؤسسات جديدة تتماشى مع التغيرات الثقافية التي من شأنها تخفيف الاستبعاد الاجتماعي. وبهذه الطريقة، نسعى إلى إعادة تنظيم الحياة اليومية. ويتطلب ذلك معالجة جوانب مثل:

  • التنمية الديموغرافية: إذ أدى انخفاض الوفيات، وزيادة الولادات، إلى نمو هائل في الطلب على الغذاء. وهو ما سبب أزمة غذائية في بعض أنحاء العالم. ولهذا السبب، من الضروري العمل على التغيير الديموغرافي عن طريق التنظيم الواعي للولادات.
  • العدالة الاجتماعية والتضامن بين الأجيال: ويتطلب ذلك إعادة تحديد السياسات والأهداف لتحقيق أكبر قدر من الإنصاف في توزيع الدخل. وبالتالي تقليص الفجوات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.
  • السياسات الجديدة للمؤسسات والإصلاح السياسي: عبر اتخاذ قرارات سياسية متكاملة تتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
  • عملية حضارية: لم تكن التطورات التاريخية مستدامة، من حيث الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية. لذا ينبغي إعادة تحديد الأولويات حتى يتمكن الناس من تحقيق إمكاناتهم الكاملة في ظل المجتمع والبيئة المحيطين.

تنمية صديقة للبيئة

يشترط للتنمية ألا تحط من البيئة الفيزيائية الحيوية، أو أن تستنفذ الموارد الطبيعية. وهو ما يشجع على التفكير في كيفية جعل احتياجات المجتمعات البشرية وتطلعاتها متوافقة مع الحفاظ على سلامة النظم الطبيعية.

تنمية لا تضحي بحقوق الأجيال القادمة

في حين أنه من الصعب تحديد الاحتياجات الأساسية للأجيال التي لم تولد بعد، إلا أنه من العدالة إنصافهم. وبعبارة أخرى، لا يمكن أن يزداد الفقر الآن، لأن الفقراء لا يمكن أن يصبحوا أكثر فقرًا في المستقبل. ويجب على القطاعات الغنية تخفيض مستويات معيشتها حتى لا تعرّض الكوكب ومستقبله للخطر.

كما أن الحفاظ على سلامة النظام الإيكولوجي الكوكبي على المدى الطويل، يعتبر شرطًا لاستدامة الأجيال القادمة.

أهداف التنمية المستدامة

تشكل أهداف التنمية المستدامة جوهر خطة التنمية المستدامة، وتوجه جميع المساعي الإنمائية العالمية والإقليمية والوطنية نحو تحقيق هذه الخطة. وتتمثل أبرز أهداف التنمية المستدامة في:

  • القضاء على مظاهر الفقر حول العالم.
  • محاولة تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية.
  • توفير العناية والرعاية الصحية للجميع.
  • تأمين التعليم للجميع، والتأكيد على أهميته، وتعزيز مستوياته في المجتمع.
  • تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
  • ضمان توفير المياه والصرف الصحي.
  • الحصول على الطاقة بأشكالها الأقل خسائر وضرر.
  • توفير فرص عمل للعمالة الموجودة لزيادة النمو الاقتصادي.
  • توفير البنى التحتية اللازمة للابتكار والتطوير.
  • ضمان تحقيق مختلف صور المساواة بين البلدان.
  • تأمين المدن والمستوطنات من مختلف الأخطار.
  • ضمان استدامة الاستهلاك والإنتاج.
  • اتخاذ التدابير اللازمة للحد من التغيرات المناخية وآثارها على الكوكب.
  • الحفاظ على الموارد البحرية كافة.
  • حماية النظم الإيكولوجية، والغابات. والحد من مظاهر التصحر وانقراض مختلف أنواع النباتات والحيوانات.
  • تعزيز تطور المجتمعات، وتوفير العدالة الكاملة فيها.
  • تعزيز وتنشيط الشراكات العالمية من أجل التنمية المستدامة.

أبرز أمثلة التنمية المستدامة

يوجد حولنا العديد من الأمثلة على التنمية المستدامة، ومن أبرزها:

  • توربينات الرياح: تستخدم توربينات الرياح لتوليد الطاقة نظرًا لتكلفتها المنخفضة. ومع استمرار انخفاض تكلفة المتطلبات التكنولوجية، بدأت الدول تحسين البنية التحتية للاستفادة من طاقة الرياح في تخزين الطاقة، ونقلها لتحل محل الكهرباء.
  • محطات معالجة المياه: التي يعمد فيها إلى معالجة المياه، وتحويلها إلى نظيفة صالحة للاستخدامات الصناعية. مما يقلل الحاجة إلى استجرار المياه العذبة.
  • الطاقة الشمسية: يتم حاليًا حماية الكوكب، مما يقارب 220-330 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا نتيجة استخدام الخلايا الكهروضوئية الشمسية.
  • تناوب المحاصيل: أي الزراعة المتتالية لمحاصيل مختلف على نفس الأرض لتحسين خصوبة التربة والمساعدة في مكافحة الحشرات والأمراض. بدلًا من الاعتماد على الزراعة الصناعية التي تعتمد على كميات هائلة من الأسمدة والمبيدات الكيميائية.
  • توفير المساحات الخضراء: مثل الحدائق والأراضي الرطبة والبحيرات والغابات وغيرها من النظم البيئية الأساسية للمناطق الحضرية المتقدمة بشكل مستدام. وذلك بهدف توفير الأكسجين وتنقية الهواء.

في الختام، لا يسعنا سوى أن ندعوك على اتباع مختلف إجراءات التنمية المستدامة، فالتغيير الكبير يبدأ بخطوة صغيرة. لذا ابدأ بحماية الكوكب والأجيال اللاحقة بعنايتك بركائز وأهداف التنمية المستدامة قدر الإمكان.