عادة ما يصادف أحدنا أن يُضطر إلى السفر إلى إحدى البلدان الأخرى، فيواجه مشكلةً في تصريف بعض النقود إلى العملة المحلية للبلد المسافر إليه. إذ تكمن المشكلة في قوتين تسيطران على سعر الصرف، إحداهما البنك المركزي الذي يحدد سعر صرف معينًا للعملات، وتتمثل الثانية في السوق السوداء التي تحدد سعر صرف مغايرًا عن سعر صرف المركزي. ويعود هذا الأمر إلى مفهوم أطلق عليه سعر الصرف العائم، أو عملية تعويم العملة. فما هي عملية التعويم هذه؟ لنتعرف على هذا سويًا.

ما هو مفهوم تعويم العملة

تعويم العملة هو نظام يتم فيه تحديد سعر عملة الدولة من قبل السوق على أساس العرض والطلب بالنسبة للعملات الأخرى، على عكس سعر الصرف الثابت الذي تحدد فيه الحكومة السعر بالكامل أو في الغالب. ويعني أن التغيرات طويلة الأجل في أسعار العملات تعكس القوة الاقتصادية النسبية والفروق في أسعار الفائدة بين البلدان.

وتعكس التغيرات قصيرة الأجل في العملة العائمة لسعر الصرف المضاربة والشائعات والكوارث والعرض والطلب اليومي على العملة. وإذا تجاوز العرض الطلب فإن قيمة العملة تنخفض؛ أما إن تجاوز الطلب العرض فإن قيمة العملة ترتفع.

وقد تؤدي هذه التغيرات قصيرة الأجل إلى تدخل المصارف المركزية. ولهذا السبب، في حين تعتبر العملات العالمية عائمة، فإن البنوك المركزية والحكومات قد تتدخل عند ارتفاع قيمة العملة أو انخفاضها للغاية. فالعملة منخفضة القيمة أو مرتفعة القيمة جدًا يمكن أن تؤثر سلبًا على اقتصاد البلد، مما يؤثر على التجارة والقدرة على سداد الديون. وستحاول الحكومة أو البنك المركزي تنفيذ تدابير لنقل عملتهما إلى سعر أكثر ملاءمة.

تاريخ مفهوم تعويم العملة

عقد مؤتمر بريتون وودز الذي وضع معيارًا ذهبيًا للعملات في يوليو 1944، واجتمع ما مجموعه 44 بلدًا، واقتصر الحضور على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وأنشأ المؤتمر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ووضع مبادئ توجيهية لنظام سعر صرف ثابت. وحدد النظام سعر الذهب بمقدار 35 دولارًا للأونصة، حيث ربطت البلدان المشاركة عملتها بالدولار. وسمح بإجراء تعديلات بنسبة زائد أو ناقص واحد بالمئة؛ وأصبح الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية التي نفذت من خلالها البنوك المركزية التدخل لتعديل أو تثبيت الأسعار.

وظهر أول صدع كبير في هذا النظام عام 1967، بانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بقيمة 14.3%. وعندها أخرج الرئيس ريتشارد نيكسون الولايات المتحدة من معيار الذهب عام 1971. وبحلول العام 1973، انهار النظام، وسمح للأنظمة المشاركة بتعويم العملة بحرية.

الفرق بين سعر الصرف الثابت وسعر الصرف العائم

يمكن أن تحدد أسعار العملات بإحدى طريقتين، إما بتحديد سعر عائم، أو تحديد سعر ثابت. وكما ذكرنا أعلاه، فإن السعر العائم يحدد عادة من خلال السوق المفتوحة بنتيجة العرض والطلب. لذلك، إذا كان الطلب على العملة منخفضًا ستزيد قيمة العملة والعكس بالعكس.

في حين تتولى الحكومة تحديد سعر الصرف الثابت من خلال مصرفها المركزي. إذ يحدد السعر مقابل عملة عالمية رئيسية أخرى كالدولار الأمريكي أو اليورو أو الين. وللحفاظ على سعر الصرف، تعمَد الحكومة إلى شراء وبيع عملتها الخاصة في سوق الصرف الأجنبي مقابل العملة التي ترتبط بها.

فإذا تقرر على سبيل المثال، أن قيمة عملة واحدة من العملة المحلية يساوي 3 دولارات أمريكية، سيتعين على البنك المركزي أن يضمن قدرته على تزويد السوق بتلك الدولارات. وللحفاظ على السعر، يتوجب عليه الحفاظ على كمية من احتياطات النقد الأجنبي ليتمكن من استخدامها في السوق. وهو ما يضمن بدوره قدرته على مجاراة التقلبات في السوق بالتالي التحكم في سعر الصرف.

وفي حقيقة الأمر، لا يوجد عملة ثابتة أو عائمة بالكامل. ففي النظام الثابت، يمكن أن تؤثر ضغوط السوق على التغيرات في سعر الصرف. وفي بعض الأحيان، عندما تعكس العملة المحلية قيمتها الحقيقية مقابل عملتها المربوطة، قد تنشأ سوق سوداء (أكثر مقاربة لأسعار العرض والطلب). وكثيرًا ما يضطر المركزي إلى إعادة تقييم أو تخفيض قيمة السعر الرسمي بحيث يتماشى السعر مع السعر غير الرسمي، مما يوقف نشاط السوق السوداء. أما في النظام العائم، يجوز للبنك المركزي أيضًا التدخل عند الضرورة لضمان الاستقرار وتجنب التضخم.

تأثيرات عملية التعويم

تتلخص مختلف آثار تعويم العملة في التالي:

  • التأثير على الاقتصاد: إذ تؤثر تقلبات العملة تأثيرًا مباشرًا على السياسة النقدية للبلد. كما يمكن أن تؤثر تقلبات أسعار العملات الثابتة سلبًا على السوق وتؤثر على التجارة الخارجية والمحلية أيضًا.
  • تأثيره على المستهلك: يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى زيادة تكلفة الاستيراد. وبالتالي، يتحمل المستهلكون التكلفة فقط. من ناحية أخرى، يتيح استقرار العملة للمستهلكين شراء المزيد من الحاجيات.
  • تأثيره على الأعمال: تؤثر تقلبات العملة على جميع أنواع الأعمال. إلا أنها أكثر تأثيرًا على عمليتي الاستيراد والتصدير منها على بقية الأعمال؛ حتى لو تضمنت عملية البيع أو الشراء التعامل بالنقد الأجنبي بشكل مباشرة، فإن هذه التقلبات يمكن أن تؤثر بشكل غير مرئي على ذلك.

فوائد تعويم العملة

  • الاستقرار في ميزان المدفوعات: يوجد ميزان المدفوعات في بيان المعاملات بين كيانات البلد وكيانات بقية العالم على مدى فترة زمنية. ومن الناحية النظرية، فإن أي اختلال في هذا البيان يغير من سعر الصرف تلقائيًا. على سبيل المثال، إذا مثّل الخلل عجزًا، فسيتسبب في انخفاض قيمة العملة، وستنخفض قيمة صادرات البلد، مما يؤدي إلى زيادة الطلب وتحقيق التوازن في نهاية المطاف في ميزان المدفوعات.
  • عدم تقييد العملة: يمكن تداول العملات بدون قيود على عكس العملات ذات أسعار الصرف الثابتة. وبذلك، لا تحتاج الحكومات والبنوك إلى اللجوء إلى عملية إدارة مستمرة.
  • تعزيز كفاءة السوق: تؤثر أسياسيات الاقتصاد الكلي للبلد على تعويم العملة في الأسواق العالمية، مما يؤثر على تدفق الأموال بين البلدان. وبالتالي، فإن أسعار الصرف تعزز كفاءة السوق.
  • لا يتطلب احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي: بالنسبة لتعويم العملة، لا يطلب من البنوك المركزية الاحتفاظ بمبالغ كبيرة من احتياطات العملات الأجنبية لتحسين سعر الصرف. ومن ثم، يمكن استخدام الاحتياطات لتعزيز النمو الاقتصادي عن طريق استيراد السلع الرأسمالية.
  • لا حاجة للإدارة الدولية لأسعار الصرف: بما أن سعر الصرف يتحدد حسب الطلب والعرض في السوق، فلا يوجد تدخل حكومي.

مساوئ تَعويم العملة

  • معرّض لتقلبات عديدة: إذ أن سعر الصرف عرضة للتقلبات، التي قد تدهور قيمة العملة مقابل عملة أخرى في يوم تداول واحد فقط. وعلاوة على ذلك، لا يمكن تفسير التقلب قصير الأجل من خلال أساسيات الاقتصاد الكلي، وهو ما يسبب إرباكًا كبيرًا.
  • تقييد الانتعاش الاقتصادي: يمكن أن تحد السيطرة على سعر الصرف العائم من النمو الاقتصادي. كما قد تؤدي تحركات أسعار صرف العملات السيئة إلى مشاكل اقتصادية كبيرة. على سبيل المثال، إذا ارتفعت قيمة الدولار مقابل اليورو، سيكون من الصعب التصدير إلى منطقة اليورو من الولايات المتحدة.
  • تفاقم العديد من القضايا الاقتصادية: في حال معاناة البلد من مشاكل اقتصادية كالبطالة والتضخم، فإن أسعار الصرف العائمة قد تزيد من حدة المشاكل القائمة. على سبيل المثال، يؤدي انخفاض قيمة عملة بلد يعاني بالفعل من التضخم إلى زيادة التضخم بسبب زيادة الطلب على السلع. وعلاوة على ذلك، فإن الواردات باهظة الثمن قد تؤدي إلى تدهور الحساب الجاري للبلاد.
  • نقص الاستثمار: تؤدي التقلبات في سعر الصرف إلى زيادة المخاطر المحتملة في الأسواق المالية. وبالتالي، فإن المستثمرين لن يقدموا على البدء بمشاريع جديدة في ظل ظروف المخاطرة هذه.

في النهاية، يعتبر التنبؤ في أسعار الصرف أحد أكبر العلوم الاقتصادية، والتي تولى الأهمية الكبرى في العلوم، لما لها من تأثيرات ضخمة على البلاد. كما يعمل مختصون في مراقبة عملية تعويم العملة ودراستها وتحليلها لمساعدة التجار وأصحاب الشركات والصفقات وغيرها في معرفة الوقت المناسب لشراء منتجات ما من الأسواق الأخرى لتحقيق أكبر نسبة ربح ممكن. وذلك في ظل المعرفة المتكامة لمفهوم تعويم العملة.