مفهوم الرأسمالية قديم يعود إلى القرن التاسع وما حصل خلاله من اكتشافات جغرافية هامة على مستوى العالم. حيث كانت السبب الرئيسي في ظهور ما يعرف بالرأسمالية التجارية المتمثلة بأشكال مختلفة. كان أبرزها سعي التجار الأوروبيون إلى نقل بضائعهم وسلعهم إلى مختلف أنحاء العالم وجلب ما يمكن جلبه من الثروات الموجودة فيها. وقد جرى ذلك كما ذكرت بالاعتماد على الطرق التجارية البحرية والبرية التي تم اكتشافها آنذاك.

بالرغم من كل الانتقادات الموجهة للرأسمالية وخاصة من الاشتراكية؛ أثبت هذا النظام نجاحًا منقطع النظير. فقد استطاع النهوض بالواقع الاقتصادي للبلدان التي انتهجته مقارنةً بالفشل الذريع للأنظمة الاشتراكية متمثلةً بالاتحاد السوفييتي المنهار.
إن أردنا توضيح مفهوم موحد للرأسمالية يمكننا ذلك من خلال النقاط التالية:

مفهوم الرأسمالية Capitalism

هو نظام اقتصادي يعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي هي الأرض ورأس المال والعمل، والمبادرة الفردية والمنافسة الحرة وتقسيم العمل وتخصيص الموارد عبر آلية السوق دون الحاجة لتدخل مباشر من الدولة.
أهم ما يؤمن به النظام الاقتصادي الرأسمالي هو أن الربح المادي هو المحفز الأساسي للأفراد على المبادرة والمخاطرة واستثمار رؤوس الأموال لكسب المزيد من الأرباح ومضاعفة الثروات. كما تؤمن الرأسمالية بأن تراكم رأس المال هو السبيل للنمو الاقتصادي من خلال تمويل المشاريع الضخمة والاستثمارات الكبرى.

في الرأسمالية يشمل رأس المال كل الأصول التي يمكن توظيفها في عملية الإنتاج بالإضافة للأموال التي تستثمر بقصد حصد الأرباح.
تمتلك الرأسمالية سمات أساسيةً كالملكية الخاصة والعمل المأجور وتراكم رأس المال والأسواق التنافسية. ويتخذ صاحب كل ثروة، أو وسيلة إنتاج، أو ملكية في الأسواق الرأسمالية القرارات والاستثمارات. ويحدد الأسعار ويوزع البضائع والخدمات وفقًا للمنافسة في أسواق السلع والخدمات وبما يحقق أكبر الأرباح.

نشأة مفهوم الرأسمالية

نشأ مفهوم الرأسمالية في بداياتها في شمال غرب أوروبا في بريطانيا وهولندا، بين القرنين السادس والسابع عشر، واعتمد وقتها على مراكمة رأس المال بمختلف الوسائل الممكنة، وعلى مختلف المستويات وتدريجيًا أصبحت الرأسمالية النظام الاقتصادي المتحكم بحركة الاقتصاد في العالم.
نمت الرأسمالية وتطورت عبر ثلاث مراحل أساسية ومفصلية في تاريخ نشأتها وهي: الرأسمالية التجارية، والرأسمالية الصناعية، والرأسمالية المالية.

مفهوم الرأسمالية التجارية

ففي القرن السادس عشر ومع نشاط حركة الاكتشافات الجغرافية فتحت في وجه التجار الأوربيين أسواق جديدة وطرق تجارية لم تكن موجودةً من قبل. وزادت من فرص تحقيق الأرباح من خلال جلب السلع المختلفة وتجميع الثروات. حيث تزامن ذلك مع ظهور أفكار عصر الأنوار التي شجعت الناس على ممارسة التجارة وجمع الأرباح لأنها مجدت الثروة على خلاف ما كان سائدًا في القرون الوسطى.

مقهوم الرأسمالية الصناعية

في القرن الثامن عشر بدأت تظهر ما سميت بالرأسمالية الصناعية ثاني مراحل نشأة الرأسمالية. وكان ذلك نتيجة ظهور اكتشافات جديدة في تقنيات الإنتاج كآلة الغزل والمحرك البخاري في انكلترا. لتنتشر لاحقًا في أوروبا كافة وهو ما عرف وقتها بالثورة الصناعية.
فبدأت تأسس المصانع وتباشر في إنتاج السلع وبيعها وتحقيق الأرباح، كل هذا أدى لظهور طبقة البرجوازية في المجتمع التي كانت أكبر داعم للرأسمالية ومروجة لأفكارها.

مفهوم الرأسمالية المالية

دخلت الرأسمالية مرحلة الرأسمالية في نهاية القرن التاسع عشر. كان ذلك نتيجةً لظهور المؤسسات المصرفية العالمية الكبرى والشركات القابضة، والنشاط الكبير لأسواق الأوراق المالية وزيادة هيمنة المصارف على الشركات الصناعية في مختلف المجالات. لكن هذه المرحلة شهدت أزمات ماليةً متعددةً نتيجةً لزيادة في نشاط المضاربات.

خصائص الرأسمالية

من أهم خصائص مفهوم الرأسمالية هي:

الملكية الفردية لعناصر الإنتاج

يعتمد النظام الرأسمالي على الملكية الفردية لعناصر الإنتاج ويعترف القانون بهذه الملكية ويحميها. فللمالك كل حرية التصرف فيما يملك بالبيع وخلافه، وله الحق في استغلاله في أي مجال لا يخالف القانون.
حق الملكية الخاص هذا أدى إلى توفير الأموال التي توجه لزيادة الاستثمارات، ذلك لأنه يوفر الباعث على الادخار فمن يملك يستهلك جزءًا من ممتلكاته ويدخر الباقي، مما يوفر دائمًا مدخرات ﻷغراض الاستثمار.
كما تمنح الملكية الخاصة للمالك حق التوريث لأبنائه وبقية ورثته. مما يحفز على المزيد من الادخار للإستثمار والتطوير.
الحرية الممنوحة للمالك في النظام الرأسمالي طبعًا تشمل فقط الأنشطة المشروعة التي تمارس داخل الإطار القانوني والاجتماعي.

حافز الربح

يعد تحقيق الربح الحافز الرئيسي وراء أي قرار يتخذه صاحب رأس المال ودافعًا أساسيًا لزيادة الإنتاج وتطويره. فالمُنتِج هنا يتصرف وفق ما يحقق مصالحه الخاصة وما يكفل له المزيد من الأرباح.
يطبق هذا الأمر في جميع المجالات في الاقتصاد الرأسمالي مما يحقق للمجتمع الحصول على أعلى دخل ممكن من موارده. وذلك لأن المسثمرين هنا يختارون النشاط الاقتصادي الذي يحقق أفضل استثمار لمواردهم وممتلكاتهم.
فالربح إذًا في الرأسمالية ليس مجرد عائد يحصل عليه المنظمون فحسب ولكنه يعتبر أيضا أحد العناصر الأساسية المسيرة للنظام الاقتصادي والتي تعمل على تنميته. فمزيد من الأرباح في النهاية يعني مزيدًا من الإنتاج.

سيادة المستهلك

وفق مفهوم الرأسمالية يهدف المنتج لتحقيق أقصى الأرباح، لذلك عليه تلبية رغبات المستهلكين التي تحدد مجالات الإنتاج ذات الربح الأكبر. فحين تزداد رغبات المستهلكين في منتج معين يزداد طلبهم له فيتجه المنتجون لتلبية هذه الزيادة. وبالتالي زيادة إنتاجه ليزيدوا من أرباحهم.
فسيادة المستهلك إذًا تعني أن كمية إنتاج سلعة ما تتحدد حسب درجة رغبة المستهلك بها.

المنافسة

هي أهم ميزات النظام الرأسمالي، وأهم العوامل التي تساهم في زيادة الكفاءة الإنتاجية. حيث يتنافس المنتجون لجلب أكبر عدد من المستهلكين مما يؤدي لزيادة الجودة، وانخفاض في الأسعار وخروج المنتجين الأقل كفاءةً. وبالتالي الاستخدام الأمثل للموارد ومن ثم التخصيص الكفء للموارد.
علاوة على ذلك يتنافس المستهلكون فيما بينهم للحصول على السلع والخدمات التي يحتاجونها، مما يؤدي لزيادة في الأسعار. فيخرج بذلك المستهلكون الأقل حاجةً للسلعة من السوق والذين لا تشكل بالنسبة لهم هذه السلعة ضرورةً قصوى.
مما سبق نجد أن التنافس بين المنتجين فيما بينهم والمستهلكين فيما بينهم يحقق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، وتوفر السلع بأفضل جودة وأفضل أسعار.

جهاز الثمن هي الآلية التي تحدد الأسعار

في الأسواق الرأسمالية يوجد للمستهلكين رغبات تسمى قوى الطلب، وللمنتجين رغبات في عرض منتجات وبيعها لتحقيق أعلى الأرباح تسمى قوى العرض. التفاعل في السوق بين قوى العرض والطلب هو ما يحدد الأسعار ويحدد الكمية من كل منتج في السوق.

إيجابيات الرأسمالية

ينطوي مفهوم الرأسمالية كنظام اقتصادي على العديد من الإيجابيات أهمها:

  • التشجيع على الإبداع فالناس المتميزون في عملهم وأداء واجباتهم يحصلون على ترقيات ومكافآت تشجعهم وتحفزهم لمتابعة العمل باجتهاد. كما تحرض زملاءهم في العمل على الجد والاجتهاد للحصول على الترقيات والمكافآت.
  • تشجع المبادرات الفردية في المجتمع. وذلك من خلال حرية الفرد في تجميع الأموال وشراء ما يريد وخاصةً وسائل الإنتاج.
  • جودة الإنتاج وهو من أهم أهداف المنشآت في النظام الرأسمالي لأنها تؤمن زيادةً في الطلب على الإنتاج. وبالتالي زيادة أرباح المنشأة وتطورها بالرغم من وجود منافسين لها في السوق.
  • محدودية الفساد في الرأسمالية، فكفاءة الفرد في العمل أهم من أي اعتبارات أخرى كالتوصيات والمحسوبيات.

عيوب الرأسمالية

مع كل الإيجابيات ومن خلال تطبيق مفهم الرأسمالية بشكل عملي على أرض الواقع لوحظت العيوب التالية:

  • حقوق العمال في الرأسمالية غير مضمونة فالضمان الصحي مثلًا يستمر طالما العامل على رأس عمله وحين يترك العمل ﻹصابة أو عجز ينقطع أجره ويصبح بلا دخل.
  • تؤثر أيضًا منهجية العمل في الرأسمالية على تركيبة المجتمع فالسعي من قبل أصحاب رؤوس الأموال لتحقيق أقصى الأرباح يؤدي تدريجيًا للقضاء على الطبقة الوسطى وبالتالي ينقسم المجتمع بين طبقة غنية جدًا وتستمر بزيادة ثرواتها وطبقة فقيرة جدًا ويزداد فقرها مع الوقت.
  • علاوة على ذلك تزيد الرأسمالية من نفوذ الأغنياء في المجتمع لكونهم عماد الاقتصاد مما يقربهم من أصحاب القرار في الحكومات فتصبح قرارتها تصب في مصالحهم لضمان تواجدهم في السوق ورفده بمنتجات جديدة.

بنظرة سريعة لمفهوم الرأسمالية وبمقارنة مع مفهوم الاشتراكية وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة إليه. نجد أنه نظام استطاع تحقيق أهدافه والنهوض باقتصادات الدول التي تبنته متمثلةً بالدول الأوروبية. لكن دون أن نتجاهل حقيقة الأصوات المناهضة له والتي تدعي أنه قائم على مبادئ وأفكار أساسها الربح والربح أولًا وأخيرًا.