لطالما شكلت فاكهة الرمان في ذهن المتأمل -لجمال صنعها الرباني- صورةً من صور معجزات الخالق عز وجل في خلقه. حتى وصفت بفاكهة الجنة، كما أطلق على الرمان اسم ملك الفاكهة. وذلك استنادًا لوقائع ذِكْرِها في القرآن الكريم. ولهذا فهي تحظى بمكانة خاصة ليس عند المسلمين فحسب، وإنما لدى جميع الأديان السماوية، وكذلك مختلف الثقافات على مر العصور. فما هو سر هذه المكانة العظيمة؟ وما النفع الذي تحمله للبشرية؟ وكيف استطاع الإنسان استثمارها صناعيًا بما يحقق النفع الاقتصادي من هذه القيمة الغذائية. ولاسيما صناعة دبس الرمان باعتباره أهم منتج صناعي من هذه الفاكهة؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.

مكانة الرّمان في القرآن الكريم والكتب السماوية

لقد ذكر القرآن الكريم الرمان باعتباره نعمة من نعم الله عز وجل على هذه البسيطة. وآية من آيات قدرته وعظمة خلقه من ذلك قوله تعالى ” وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابَهٍ…” (الأنعام 141)
وقوله تعالى”وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ماءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وُمِنَ النَّخلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (الأنعام 99). كما ذكر الرمان باعتباره من فاكهة الجنّة في قوله تعالى “فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ” (الرحمن 68).
إضافةً إلى أنه حظي بتقديس خاص من جميع الأديان السماوية والمنتشرة عبر تعاقب الأزمان. فقد اعتبر أحد وصايا التوراة ورمز القداسة والخصوبة في الديانة اليهودية. واعتبرته الفنون المسيحية رمزًا للحياة الأبدية بعد البعث، ولهذا نجده في تماثيلهم المقدسة، كما يظهر في صورة العذراء والطفل الشهيرة. واعتبره البوذيون أحد الفواكه الثلاثة المقدسة. ويذكر أنه في أسطورة (هاريتي) التي كانت تأكل الأطفال، أعطاها بوذا رمانة لتتناولها وتشفى من الشر والتوحّش الذي يسكنها. وهذه المكانة السماوية تعزز أهمية المحتوى الذي نقدمه حول فوائد صناعة الرمان ومكونات صناعة الرمان .

الرمان رمز الحب والخير في الثقافات المختلفة

احتلت فاكهة الرمان الصدارة في مختلف الثقافات، فاعتبرتها الثقافة المصرية رمزًا للحياة، حيث كانت تدفن مع الموتى لتصحبهم إلى الحياة الخالدة. واعتبرتها الثقافة اليونانية رمزًا للخير والحب والبُشرى، لذلك كانت تتصدر موائد الأفراح والمناسبات. والجدير بالذكر أنها عرفت باسم “فاكهة الميت” أيضًا، وذلك لأنه جرت العادة أن يطلب المحتضر فاكهة الرمان وهو على فراش الموت. بينما رمزت إلى الحظ السعيد عند الصينين فأكثروا من تناولها.
وهكذا أجمعت الحضارات على مكانة الرمان المستمدّةِ من فوائده الغذائيّة التي تفنن الإنسان في استثمارها، وكان من أهم مبتكراته صناعة دبس الرمان التي سنتعرف عليها، وعلى مكونات صناعة دبس الرمان في الفقرات الآتية.

موطن الرمان وواقع زراعته

إن موطن شجرة الرمان الأصلي هو قارة آسيا، وهي شجرة يصل ارتفاعها إلى ستة أمتار. وتنتشر زراعة الرمان في العديد من البلدان العربية وفي مقدمتها البلدان المحاذية للبحر الأبيض المتوسط إضافةً إلى غرب السعودية واليمن. كما أنها تزرع في الولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب ولاية تيرول وجنوب إفريقيا، والصين والشرق الأدنى وأستراليا. ونلاحظ هنا أن المناطق المناسبة لزراعة الرمان هي المناطق شبه المدارية من العالم، وأن أشجار الرمان يمكنها النمو على ارتفاعات كبيرة من سطح البحر تصل إلى 2300 متر كما تنمو في بعض المناطق الساحلية. ولأن هذه البلدان هي موطن زراعة الرمان نجد أنها متمرسة في صناعة دبس الرمان.

صناعة دبس الرمان ومكوناته

عادةً ما يحصد الرمان في الخريف، ويعتبر الرمان الإيراني من أجود الأنواع ولهذا يستخدم في صناعة دبس الرمان، كما يصدر إلى الخارج. ولدبس الرمان أسعار متفاوتة تختلف باختلاف جودته ودرجاته، وهو يحتل مكانة هامة في المطبخ الشرقي والغربي على حد سواء لما له من نكهةٍ مميزة المذاق تجعله عنصرًا هامًا من مكونات السلطات والفتوش، ومع بعض أنواع المشاوي والكبة المشوية الشامية.
أما طريقة صناعة دبس الرمان فتبدأ بعملية فرط حبّات الرمان في وعاء نظيف. ثم توضع تحت الماء البارد وتغسل جيدًا. كما تُنزع منها الشوائب واللحاء الذي يتواجد بداخل حبة الرمان. تليها عملية وضع حبات الرمان في الخلاط الآلي على دفعات، بحسب الكميات المصنوعة. وتُضرب حتى تخلط جيدًا ، فينتج عنها عصير الرمان. ثم يسكب هذا العصير في وعاء مناسب للكمية، مع مراعاة أن يكون من النوع الذي لايتفاعل مع الحموض. وقبل أن يصب العصير توضع قطعة قماش رقيقة جدًا فوق الوعاء لضمان عدم نزول البذور فيه.

يلي ذلك وضع الوعاء أو القدر على النار، وتحريك العصير جيدًا بين حين وآخر حتى يصل درجة الغليان. ويتبخّر أكبر قدر ممكن من الماء فيصبح العصير سميك القوام، حيث يستغرق قرابة الساعة الكاملة. بعد ذلك يُوضع دبس الرمان جانبًا إلى أن يبرد، ثم يعبأ في قوارير زجاجيّة نظيفة وجافّة تمامًا ليس فيها أثر ماء ولا رطوبة، تغلق بإحكام. ونشير هنا إلى أن هذه هي الطريقة الصحيحة لصناعة دبس الرمان ومكونات صناعة دبس الرمان كما لاحظتم هي عصير الرمان فقط. إلا أن الكثير من الشركات تلجأ إلى صناعة دبس الرمان بمكونات مغشوشة تعتمد على الماء وحمض الليمون والملونات وقليل من السكر والقليل أيضًا من عصير الرمان، وذلك لتخفيض تكاليف الإنتاج وهو مايفقد المنتج جودته.

القيمة الغذائية والطبية لدبس الرمان

بعد أن تعرفنا على طريقة صناعة دبس الرمان، ومكونات صناعة دبس الرمان، من المفيد التعرف على القيمة الغذائية له. فبالإضافة إلى مذاقه الشهي يحتوي الرمان على عناصر غذائية تجعل منه الفاكهة الأكثر فائدة وفعالية في الكثير من الاستخدامات. فهو يحتوي على الكربوهيدرات والبروتين والألياف الغذائية المفيدة للوقاية من السرطانات والعديد من الأمراض المزمنة و الإمساك. كما أنه غني بالبوتاسيوم والصوديوم، الزنك الكالسيوم، الحديد، المغنزيوم، الفسفور وفيتامين «ج» و فيتامينات «ب» وهو ما يفيد في تدفق المنحلات الكهربائية من وإلى الخلايا العضلية والعصبية. كما تفيد الكربوهيدرات وإنتاج حمض الهيدروكلوريك في عملية الهضم. ويحتوي فيتامين «ب 2» الذي يعتبر من المحفزات الأساسية لنمو الجسم، وإنتاج خلايا الدم الحمراء.

إضافة إلى فيتامين «ب 6» وفيتامين «ب 12» الذي يسهم في عملية التمثيل لكل خلية في الجسم البشري. يحتوي أيضًا على فيتامين «أ» الذي يساعد بدوره على المحافظة على صحة الجسم. ويقلل من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض و فيتامين «د» الذي يعمل على تجديد خلايا البشرة، لتغدو أكثر نضارةً وشبابًا.
أخيرًا لابد من الإشارة إلى أن تناول دبس الرمان يحسن وظائف المخ ويقوي الذاكرة، وذلك بسبب غناه بفيتامين B3 وهو مايقي من مرض الزهايمر.

خلاصة القول أن صناعة دبس الرمان تعتبر تجارةً رابحة بالمعنى المادي، وبما يحظى به من قيمةٍ غذائية، وطبية تعلل تقديسه واعتباره فاكهة الجنة.