من يريد النجاح لا بد أن يتحلى بالكفاءة التشغيلية الكافية التي تتيح له نيل رضى الزبائن. لذا سنتكلم في مقالتنا هذه عن دور إدارة علاقات الزبائن في تحقيق الميزة التنافسية. مرّ التسويق منذ نشأته العلمية في القرن الماضي بالعديد من المراحل التي أدت إلى تطوير مفهومه وفلسفته من التركيز على التسويق الاستهلاكي في خمسينات القرن الماضي إلى التسويق الصناعي في الستينات منه. مرورًا بالتسويق في المنظمات غير الهادفة للربح في السبعينات إلى تسويق الخدمات في الثمانينات، ثم التسويق بالعلاقات في التسعينات من القرن الماضي وحتى الآن. إذ أصبح البحث في مستقبل التسويق مع بدايات القرن الحادي والعشرين. ويعرِّف تسويق العلاقات بكونه إيجاد وحفظ وتعزيز علاقات طويلة الأمد مع الزبون والمجهزين والموزعين والمساهمين الآخرين.

كما ينطوي مفهوم تسويق العلاقات أيضًا بضرورة تكوين وتعزيز العلاقة مع الأطراف التسويقية المحيطة بالمنظمة كالموردين والوسطاء والمنافسين ونقابات العمال والجمهور لتحقيق الأهداف التسويقية.
ففي ظل التطورات التي يشهدها العالم اليوم، وفي ظل العديد من معطيات العصر. يأخذ التسويق أهميةً كبيرةً على مستوى المنظمات، إذ بدون تسويق فعال لا يمكن للمنظمة تحقيق أهدافها. لذلك يتطلب من المنظمات التسلح بالمعرفة السوقية باعتبارها من أحدث المفاهيم التي دخلت إلى الأدب الإداري المعاصر وأحد أهم الموارد لتحقيق الميزة التنافسية. لذلك لا بد من إدارة المنظمات بشكل عام والمنظمات المصرفية بشكل خاص من خلال تبني إدارة علاقات الزبائن وبناء علاقات طويلة الأمد معهم، ومن ثم الاحتفاظ بهم واعتبارهم بمثابة مالكين للمنظمة، وسيكون ذلك كفيلًا لتحقيق مزايا تنافسية إذا ما طُبق على أرض الواقع.

مفهوم إدارة علاقات الزبائن

يشهد القرن الحالي تواصلًا في ظهور التقانات الحديثة التي تتبوأ موقع الصدارة. من حيث الدور الكبير الذي تلعبه هذه التقانات في عدد من الصناعات. ويلاحظ أن الوقع الأكبر لهذه التقانات يجد أصداءه في مجال التسويق، إذ تتسارع خطى المنظمات على اختلاف أنواعها لتغيير وظائف التسويق التقليدية بما يتناسب والتغيرات الحاصلة في هذه التقانات. خاصةً بعد أن أدركت المنظمات الرائدة أن التقانات الحديثة للتسويق ساهمت في تحسين وتعزيز الأداء التسويقي للمنظمة ومن ثم تحقيق رضا الزبائن.
إن من يريد النجاح لا بد أن يتحلى بالكفاءة التشغيلية الكافية التي تتيح له نيل رضى الزبائن. مع العلم إن الذين يستثمرون المزيد من الأموال في الزبائن سيحققون أرباحًا كبيرةً جدًا.

أما أولئك الذين يبقون على عهدهم القديم فإنهم لن يستطيعوا الصمود أمام المد العارم الذي يجلبه القرن. لذلك على المسوقين أن يسارعوا في استقبال هذا التغير الذي لا بد منه. وعلى المسوقين أيضًا إذا ما أرادوا النجاح أن يدركوا بأن الفهم الصحيح للزبائن هو الحجر الأساسي في العملية التسويقية في هذا القرن ولن يكون عبر الطرق التقليدية السائدة كدراسة المجاميع الديمغرافية على أساس العمر، الدخل، الجنس. الأمر الذي يتطلب خلق العديد من قنوات الحوار المتبادل مع الزبائن بهدف تقديم المساعدة لهم عن طريق ما يحتاجه أو يرغبه من منتجات تحقق الرضا والإشباع.
وبموجب ما سبق إن إحدى التوجهات الحالية والأساسية لإدارة التسويق في مختلف المنظمات المعاصرة هي اعتمادها على التقانات الحديثة للتسويق. لمعالجة المشاكل التسويقية وصياغة الاستراتيجيات الملاءمة للتوجه نحو الزبائن ومعرفة متطلباتهم، ومن ثم اتخاذ القرارات التسويقية المناسبة. لقد تعددت أنواع وأشكال هذه التقانات، لذلك فان الباحث سيركز على إحدى هذه التقانات وهي إدارة علاقات الزبائن.

نظام إدارة علاقات الزبائن

يسمى أيضًا نظام إدارة علاقات العملاء، تعود نشأة هذا النظام إلى الثمانينيات من القرن الماضي. وهو حصيلة فترة طويلة من البحث عن سبل للتواصل مع العملاء. وهو عبارة عن منظومة، أو نهج أو نظام، مهمته إدارة العلاقات مع العملاء الحاليين والمستقبلين. عن طريق تخزين وحفظ وتحليل البيانات التاريخية للعملاء مع الشركة. تتوزع البيانات الخاصة بالعملاء على عدة أشكال منها بياناتهم الشخصية وطرق الاتصال بهم وفواتير الشراء الخاصة بهم والمراسلات البريدية والتسجيلات الصوتية الهاتفية.
بالتالي فإن نظام إدارة علاقات الزبائن هو عملية تستخدمها الشركات لفهم مجموعات عملائها والاستجابة بسرعة لرغباتهم.
يهدف هذا النظام إلى تحسين العلاقات التجارية مع العملاء، إضافة إلى تأمين الخدمات أو المنتج الأفضل لهم وتحقيق الرضا لديهم، كذلك يهدف هذا النظام إلى الاحتفاظ بالعملاء بغية نمو المبيعات، وبالتالي تحقيق الأرباح.

تقوم هذه المنظومة بتجميع وتحليل المعلومات العائدة للعملاء، لتحديد ما يريدونه وتعلم كيفية تلبية احتياجاتهم بأفضل طريقة ممكنة. ويتم ذلك بفضل وجود قاعدة بيانات تحتوي جميع المعلومات الخاصة بالزبائن.
تجدر الإشارة إلى أن الاستخدام الأكبر لهذا النظام كان في الشركات الربحية وضمن وظائف التسويق خصوصًا. ولكن حديثًا اتجهت المؤسسات غير الربحية والحكومية إلى الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها هذا الأسلوب لزيادة رضا المتعاملين وتحسين الخدمات المقدمة لهم. تتوفر أشهر أنظمة إدارة علاقات الزبائن في شركات آي بي أم ومايكروسوفت وأوراكل وغيرها. حيث أنفقت الشركات عالميًا ما يزيد على 10 بليون دولار في هذه الأنظمة عام 2012 بحسب مجلة فوربس.

مفهوم الميزة التنافسية

تواجه المنظمات اليوم تحديات كبيرة من الصعوبة لبقائها في المقدمة دائما. كانتشار تقانة المعلومات، وظهور منظمة المواصفات عالمية ISO واتفاقية التجارة العالمية. والتغير المستمر بين حاجات ورغبات الزبائن، لذا تحتاج تلك المنظمات إلى إيجاد مزايا تنافسية مستمرة. لتكون الأكثر قدرة على تحقيق العوائد والأرباح من خلال جذب العملاء. وتكوين مكانة ذهنية لديهم من خلال إنتاج وتقديم منتجات ذات قيمة كبيرة تحقق.

  • تعرف الميزة التنافسية بكونها خاصية أو مجموعة خصائص نسبية تنفرد بها المنظمة. وتمكنها الاحتفاظ بها لفترة زمنية طويلة نسبيًا نتيجة صعوبة محاكاتها وتحقق تلك الفترة المنفعة لها، وتمكنها من التفوق على المنافسين فيما تقدمه من منتجات للزبائن.
  • ووردت بكونها الوسيلة التي تمكن المنظمة من تحقيق التفوق في ميدان منافستها مع الآخرين.
  • وينظر إلي الميزة التنافسية بكونها استغلال المنظمة لنقاط قوتها الداخلية في أداء الأنشطة الخاصة بها. حيث تحقق قيمة لا يستطيع المنافسون الآخرون تحقيقها في أنشطتهم.
  • وتعرّف أيضا بكونها قدرة المنظمة في تخفيض تكاليفها الكلية وزيادة مبيعاتها مقارنة بتلك التكاليف. فإنها تكون قد حققت الميزة التنافسية من خلال توفير قيمة متفوقة أو كلفة منخفضة للزبائن.
  • ويعبر عنها بكونها القدرة على تحقيق حاجات المستهلك. أو القيمة التي تم الحصول عليها من ذلك المنتج كقصر فترة التوريد أو الجودة العالية للخدمات.

وبموجب ما تقدم تشير الميزة التنافسية إلى خاصية معينة أو مجموعة خصائص تمتلكها المنظمة وتميزها عن غيرها من المنظمات بحيث تحقق لها موقفًا قويًا تجاه مختلف الأطراف، إذ أن التحدي الحقيقي لأية منظمة ليست إنتاج وتقدم السلع والخدمات، بل القدرة على الإشباع المستمر لحاجات ورغبات الزبائن المتغيرة، فقد تنامى دور الزبون وأصبح من الصعب فرض السلع والخدمات عليهم، لذا فان إيجاد ميزة تنافسية في السلع والخدمات التي تقدمها المنظمة من شأنها تحقيق رضى الزبائن وزيادة ولائهم، ومن ثم القدرة مع بقاء واستمرار المنظمة في السوق.

العلاقة بين إدارة علاقات الزبائن والميزة التنافسية

نظرًا للتغيرات التي يشهدها العالم وتقليص دورة حياة العديد من المنتجات وزيادة حدة التنافس بين المنظمات وكثرة الخيارات أمام الزبائن وانخفاض ثقتهم بالمنظمة. أدى كل ذلك إلى أن تبحث المنظمات عن أساليب جديدة لتطوير علاقتها مع الزبائن. فكان ظهور إدارة علاقات الزبائن هو المسار الجديد للتواصل مع العملاء وإنتاج السلع والخدمات التي تلبي احتياجاتهم ورغباتهم.
إنّ تبني إدارة علاقات الزبائن يتطلب قيام المنظمة بإجراء تغيرات شاملة في المنظمة. وتبني المفهوم التسويقي الحديث المتمثل بالتوجه نحو الزبائن وبناء قاعدة للمعلومات التسويقية لجمع المعلومات التفصيلية عنهم بهدف إنتاج السلع والخدمات المطلوبة.

وأخيرًا، تتمثل أهمية هذا البحث عن دور إدارة علاقات الزبائن في تحقيق الميزة التنافسية. في كونه موضوعًا أكاديميًا حديثًا يتزايد الاهتمام به يومًا بعد يوم في مختلف المنظمات. فالتحول باتجاه دراسات وأبحاث إدارة علاقات الزبائن وتحقيق الميزة التنافسية زاد وتوسع خلال السنوات الماضية خاصة مع بروز ظاهرة العولمة والانفتاح الشامل وتداعي الحواجز الجمركية وحرية التجارة والاحتكام لعوامل السوق والمنافسة.