منذ نحو خمسة وثلاثين عامًا. شهد العالم ميلاد ابتكار تكنولوجي جديد غيّر من شكل الحياة والمجتمعات للأبد وهو الإنترنت، ودخل إلى أدق تفاصيل حياتنا. والآن نحن بصدد ابتكار تكنولوجي جديد قد يغير مرة أخرى من شكل الحياة والمجتمعات وهو الميتافيرس إنترنت المستقبل.
تقنية الميتافيرس قد تغير حياة البشر على الكوكب بشكل كامل وتحول الحياة نفسها إلى واقع افتراضي مترابط. بل إن ثمة اعتقادًا بأن مقارنته بالواقع الافتراضي ربما ستشبه مقارنة الهواتف الذكية بالجيل الأول من الهواتف المحمولة الضخمة التي أنتجت في ثمانينيات القرن الماضي. بينما كان الإنترنت يتم بناؤه عبر الأكواد لتأسيس المواقع. يبنى الميتافيرس عبر المحركات التي تخلق عالمًا ثلاثي الأبعاد. وللتوضيح تخيل أن تكون قادر على الجلوس مع صديقك الذي يبعد عنك بآلاف الكيلومترات، أو أن تحضر بشكل افتراضي في مقر عملك بالرغم من أنك على الشاطئ. ويمكن للموظفين أن يتواجدوا سويًا ويتواصلون مع بعضهم البعض دون اجتماعهم في نفس المكان، هذه هي فكرة ميتافيرس.

ما هو الميتافيرس

ميتافيرس بالإنجليزيةMetaverse ،‏ هي كلمة تتكون من شقين، الشق الأول meta بمعنى ما وراء، والثاني Verse كلمة مصاغة من الكون. ويستخدم المصطلح عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية للإنترنت المكون من مساحة ثلاثية الأبعاد ثابتة ومشتركة ومرتبطة بكون افتراضي مدرك. وقد لا تشير ميتافيرس بالمعنى الأوسع إلى العوالم الافتراضية فحسب، بل قد تشير إلى الإنترنت ككل، بما في ذلك النطاق الكامل للواقع المعزز. ويمكن تعريف ميتافيرس بأنها رؤية جديدة للمستقبل.

ويقدم فيلم الخيال العلمي لعام 2018 Ready Player One لمحة عما تنبأت العديد من شركات التكنولوجيا بأنه الشيء الكبير التالي على الإنترنت. إذ لن نحتاج إلى التجول في شاشة الجوال بحثًا عن التطبيقات التي نريد فتحها، ولن نحتاج إلى الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر، بل سنتجول بداخل عالمنا الافتراضي ونفتح كل شيء ونتجول بداخله كأنك تدخل غرفة في منزلك. وربما يحتاج الشخص عند الاتصال بالميتافيرس إلى نظارة أو جهاز يوضع على الرأس. وذلك حتى يتمكن من دخول عالم افتراضي يقوم بالربط بين مختلف أنواع البيئات الرقمية. حيث ستتمكن من الذهاب إلى الأهرامات في القاهرة أو ساعة بيج بن في لندن من غرفتك وستشعر بإحساس مماثل للزيارة الواقعية. كما أننا لن نحتاج إلى الأموال الحقيقية بل سنقوم بالسداد بعملات افتراضية. هذا ما ستكون عليه البشرية خلال العقد المقبل، هكذا سيكون المستقبل.

الميتافيرس مستقبل الإنترنت

تتحدث شركات التكنولوجيا ومسوقوها والمحللون المختصون بها عن مفهوم الميتافيرس بوصفه الحدث التكنولوجي الأبرز الذي يترقبه المعنيون. حيث وصف بأنه الحدث التكنولوجي الذي ينتظره الكثير، واستطاع أن يجذب أكبر الأسماء ومنهم مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربيرغ، ومؤسس شركة الألعاب الإلكترونية إيبيك غيمز، تيم سويني.
من الممكن أن يبدو الميتافيرس وكأنه نسخة من الواقع الافتراضي، ولكن البعض يعتقدون أنه قد يصبح مستقبل الإنترنت. فإن عالم الميتافيرس عبارة عن فضاء إلكتروني جماعي ضخم، يربط الواقع المعزز (التعامل مع الواقع من خلال مؤثرات إلكترونية) والواقع الافتراضي معًا. إنه إنترنت متجسد تتواجد فيه بدلًا من النظر إليه، إنها مهمة ضخمة تتطلب توحيد المعايير والتعاون بين عمالقة التكنولوجيا.

علاقة فيسبوك بالميتافيرس

تخطط فيسبوك لتغيير اسمها إلى شيء يتعلق بتقنية ميتافيرس وهي الشبكة الرقمية الجديدة للتواصل من خلال الواقع المعزّز والافتراضي. وقال زوكربيرج إن شركته تسعى نحو التحول من شركة للخدمات الاجتماعية إلى شركة متخصصة في العوالم الافتراضية العملاقة. وهو ما يطلق عليه اسم الميتافيرس، أي عالم مكون من أكوان متداخلة.
وفي تصريح لزوكربيرغ تداولته وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية قال: أريد مناقشة هذا المصطلح الآن حتى نتمكن معًا من رؤية المستقبل الذي نعمل من أجله، وكيف ستعمل مبادرتنا الرئيسية هذه (الميتافيرس) في تغيير مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن نعمل الآن على رسم خريطة طريق لهذا التغير الحاسم. وأوضح زوكربيرغ أن الميتافيرس هي بيئة افتراضية غامرة، حيث يمكنك التواجد بالفعل مع الناس في البيئة الرقمية والمجتمع الرقمي. يمكننا التفكير به على أنه إنترنت متجسد، تتواجد فيه فعليا بدلًا من مجرد النظر إليه كما يحدث الآن.

وفي تصريح لشبكة سي بي أس قال زوكربيرغ أفكر في الميتافيرس باعتباره الجيل القادم من الإنترنت، بدلًا من أن تكون الإنترنت شاشة خارجية ننظر إليها على هواتفنا المحمولة أو شاشات الحاسوب، ستصبح جزءًا منا ونحن جزءًا منها، إنترنت المستقبل هو شيء يمكننا أن نكون في داخله.

كما أعلنت مؤخرًا فيسبوك عن استراتيجية الخمس السنوات المقبلة لتطوير قطاع الواقع الافتراضي أو الميتافيرس عبر توظيف 10 آلاف أوروبي بداخل دول الاتحاد فقط من ذوي المهارات المرتفعة في مجالات الذكاء الصناعي وبرمجيات الواقع الافتراضي.
وجعل الفيسبوك تصميم الميتافيرس واحدًا من أهم أولوياته، حيث يمكن استثمار الكثير من الأموال، فيما يعكف الميتافيرس على تصميم تطبيقات واقع افتراضي للقاءات الاجتماعية والاجتماعات والتي تكون في أماكن العمل. ويكون في ذلك تطبيقات تتفاعل مع العالم الحقيقي. كما استثمر الفيس بوك حوالي 50 مليون دولار أمريكي في تمويل هيئات غير ربحية، ويكون ذلك للمساعدة في تصميم الميتافيرس بشكل مسؤول.
واعتبر مارك زوكربيرغ، أن الميتافيرس يمثّل مستقبل الشبكة الاجتماعية قائلًا: أتمنى أن ينظر الناس إلينا فى غضون 5 سنوات كشركة ميتافيرس قبل كل شيء.

شركات مهتمة بالميتافيرس

لطالما تحدث تيم سويني، رئيس شركة إيبيك غيمز (التي تنتج لعبة فورتنايت)، عن طموحاته المتعلقة بالميتافيرس،
تستخدم ألعاب الفيديو متعددة اللاعبين والتي تمارس عبر الإنترنت عوالم تفاعلية مشتركة منذ عقود. هذه العوالم ليست ميتافيرس، لكنها تشترك معه في بعض الأفكار.
في الأعوام الأخيرة، وسعت فورتنايت من منتجاتها، حيث استضافت حفلات موسيقية وملتقيات لبناء العلامة التجارية، داخل عالمها الرقمي الخاص. أثار ذلك إعجاب الكثيرين ولفت انتباههم إلى ما يمكن تحقيقه، كما سلط الضوء على رؤية السيد سويني بشأن الميتافيرس.

كما هناك بعض الألعاب الأخرى التي تقترب أيضًا من مفهوم الميتافيرس. على سبيل المثال: روبلوكس، التي تعد منصةً لآلاف الألعاب المنفردة التي ترتبط جميعًا بنظام بيئي أكبر. وفي غضون ذلك، تستثمر (يونيتي)، وهي منصة لتطوير المنتجات ثلاثية الأبعاد، فيما يعرف (بالتوائم الرقمية) وهي نسخ رقمية للعالم الحقيقي. كما أن شركة تصميمات الغرافيكس (نفيدا) تعكف حاليًا على بناء ميتافيرس خاص بها، تصفه بأنه منصة للربط بين العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد.

الميتافيرس عالم موازي

تخيلوا عالمًا رقميًا يمكنكم أن تعيشوا فيه حياةً موازية من دون مغادرة المنزل. أهلًا بكم في الـميتافيرس التي تعتبرها فيسبوك وشركات ألعاب الفيديو والإنترنت الأخرى العملاقة. بمثابة القفزة الكبيرة التالية في تطور الشبكة العنكبوتية.
وبصورة تدريجية، يفترض أن تسمح الشاشات والصور المجسمة (هولوغرام) وخوذ الواقع الافتراضي ونظارات الواقع المعزز بتنقلات مرنة بين العالم الافتراضي والأماكن المادية. بما يشبه التنقل عن بعد، وفق زوكربيرغ الذي يأسف لمحدودية الهواتف الذكية في توفير النفاذ إلى المساحات الرقمية.

كما تبشر الشركات التقنية الكبرى بعالم الواقع الافتراضي الذي سيصبح متاحًا في متناول كل يد ليغيّر من تجربتنا مع الإنترنت إلى الأبد. ربما عندما تذهب للتسوق عبر الإنترنت، سيكون بإمكانك قياس الملابس رقميًا أولًا، ثم تطلبها ويتم توصيلها إليك في العالم الحقيقي. وصرح سويني مؤخرًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بأن لديه رؤية لعالم تستطيع فيه شركة تصنيع سيارات تسعى إلى الترويج لطراز جديد بأن تطرح سياراتها في الوقت الحقيقي. فيتمكن المرء من قيادتها في الحال في العالم الافتراضي.

أخيرًا، يبدو أن ما كان خيالًا في طريقه لأن يصبح واقعًا متجسدًا مع مصطلح جديد أخذ يغزو عوالم التكنولوجيا بشكل واسع مؤخرًا. ألا وهو الميتافيرس إنترنت المستقبل. هذا المصطلح كان خياليًا بالكامل عندما ظهر للمرة الأولى. ولكن في الوقت الحالي هو في طريقه للتحول إلى حقيقة.