تُشكّل ظاهرة التغير في أسعار كثير من السّلع السمة الأبرز لعصرنا الحالي، والتي زاد من وطأتها في المدة الأخيرة تفشي ظاهرة العولمة والانفتاح التجاري، وسهولة استيراد وتصدير السّلع بين الدول، حتى أصبحت معظم الأسواق المحلية تغص بالسّلع العالمية، القادمة من كل الدول، وهو ما جعل التغيرات المختلفة في قيمة العُملات في الدول المُنتجة تؤثر مباشرةً في أسعار هذه السّلع في الأسواق المحلية والعالمية، بما يعرف بالتضخم المالي.

وبالنظر لاختلاف السّلع المُنافسة وتعدد خيارات المستهلكين، فقد أصبح السعر هو العامل المهم والحاسم لاتخاذ قراراتهم الشرائية، تحديدًا في ظل ارتفاع درجة توقعات المستهلكين لمستوى الجودة المراد الحصول عليها لأي منتج يقوم بشرائه، وهنا السؤال المهم، ما هو الرابط بين السعر والكم المطلوب شراؤه في السوق؟ وما أنواع وأهمية هذه العلاقة؟

التضخم المالي

هو الارتفاع المتزايد في أسعار السّلع والخدمات سواء كان هذا الارتفاع ناتجًا عن زيادة كمية النقد بشكلٍ يجعله أكبر من حجم السّلع المتاحة أو العكس، أي أنّه ناتجٌ عن زيادةٍ في الإنتاج فائضةً عن الطلب الكلّي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.

أنواع التضخم المالي

  • التضخُم الأصيل: نتيجة ازدياد عدد السكان فإن الدولة تطبع المزيد من النقود، فتسبب زيادة الأسعار وهو الشائع في أغلب الدول.
  • تضخُم جذب الطلب: يحدث نتيجة زيادة الطلب الكلّي على سلعة أو خدمة ما، فيؤدي إلى تضخمها وزيادةٍ في سعرها وعندها تقلّ القوة الشرائية، كما يحدث في موسم الأعياد، حيث تبدأ أسعار الأغذية والملابس بالازدياد نتيجة زيادة الطلب عليهم.
  • التّضخم المتسلسل: يحدث أثناء انخفاض الإنتاج، حيث تبدأ أسعار السّلع والخدمات بالارتفاع ما يحدث مخاوفًا لدى المستهلك من استمرار ارتفاع الأسعار، فيلجأ لشراء السّلع والخدمات أكثر من حاجته، مما يؤدي إلى كبح النمو.
  • التّضخم المفرط: يظهر في بداية مرحلة الانتعاش أو مرحلة الانتقال من نظامٍ اقتصادي إلى آخر، أو في فترات الحروب عندما تستنزف الدولة مواردها ولا تستطيع سدّ احتياجات السوق، فتبدأ الأسعار بالارتفاع بسبب زيادة الطلب وقلة الموارد والإنتاج، ويعتبر هذا التضخم أسوأ نوعٍ حيث يفقد الناس الثقة في النظام الاقتصادي.
  • التضَخم المكبوت: يحدث عندما تقوم الدولة بضخ أموالٍ كثيرة في السوق وتقوم بتحديد الحد الأعلى من الأسعار، أي تقييدها بمعدلٍ ثابتٍ سواء كانت للسّلع أو الخدمات.
  • التضَخم المستورد: عندما نستورد منتجاتٍ من الخارج يكون سعرها عاليًا، فيؤثر على أسعار المنتجات التي يتم تصنيعها محليًا، مما يؤدي لحدوث التضخم.
  • التضخمُ الركودي: ينشأ نتيجة انخفاض الطلب على منتجٍ ما عندها ستقل كمية الإنتاج في المعامل، ويؤدي ذلك إلى ازدياد نسبة البطالة لأنّ المعامل تستغني عن عدد كبير من العمال بسبب ضعف الإنتاج وقلّة الوارد المالي لدفع رواتبهم، كذلك الاحتكار الذي يمارسه التجار لبعض المنتجات يسبب ركودةً في السوق لحين نشرها مجددًا.
  • التضخم الزاحف: هو زيادةٌ تدريجيةٌ في سعر المنتج في حين يبقى العرض والإنتاج ثابتين، وتعتبر طبيعية إذا لم تتجاوز 10%.

أسباب التضخم المالي

  • ازدياد الطلب على السّلع والخدمات أو انخفاض إنتاجها أو تأمينها، مما يسبب فجوةً في السوق تؤدي الى ارتفاع الأسعار.
  • ارتفاع كمية النقد أي كمية المال المتداول بين الناس، مما يحفزهم على زيادة الإنفاق.
  • ارتفاع تكاليف تصنيع بعض المنتجات يؤدي إلى ارتفاع سعرها النهائي.
  • قد يزيد المنتجون أسعار السّلع ليغطوا زيادة رواتب العمال، وهذا يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم.
  • الكوارث الطبيعية التي تسبب توقفًا في الإنتاج بشكلٍ كبيرٍ تزيد من التضخم.
  • الارتفاع في أسعار السّلع العالمية، كمشتقات النفط أو الأغذية، يؤثر سوءً على التضخم ضمن الدول المستوردة.
  • قيمة المرجعيات النقدية: عند هبوط أسعار المعادن النفيسة تهبط معها قيمة العملة المعتمدة عليها، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتضخم.
  • كذلك توقُع الناس أو الشركات أنّ الأسعار سترتفع، فهذا التوقع يتسبب بمفاوضات على رفع الأجور وعقود الإيجار، مما يسبب التضخم.

 الآثار السلبية للتضخم المالي

  • الأثر على توزيع الدخل والثروة: تنخفض الدخول الحقيقية والثروات لأصحاب الدخول الثابتة، وترتفع الدخول الحقيقية والثروات لأصحاب الدخول المتغيرة.
  • الأًثر على الإدخار والديون: تفقد النقود وظيفتها كمستودعٍ للقيمة، فتنكمش المدخرات، ويستفيد المدين ويضار الدائن.
  • الأثر على ميزان المدفوعات: ترتفع أسعار الصادرات، ومع المنافسة الدولية تتوقع انكماش الصادرات، وتصبح الواردات أرخص نسبيًا، مما يؤدي الى زيادة ضخها في السوق.
  • الأثر على الاستثمار: توجيه الاستثمارات الى الأنشطة التي تتسم بسرعة دوران رأس المال، كإنتاج السّلع الترفيهية والكمالية.
  • العجز عن جذب قدر كافٍ من الاستثمارات الأجنبية.

الآثار الإيجابية للتضخم المالي

  • ينظر إلى التضخم بمستويات قليلة أن له تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصاد، ولا يوجد حد معين اتُفق عليه، لكن أي نسبةٍ أقل من %2 سنويًا تعتبر قليلة.
  • من الأسباب التي ينظر لها بإيجابيةٍ أنه يضغط على ذوي المدخرات لاستثمار مدخراتهم، بدلًا من مشاهدتها تتآكل، حيث يتم التحجج بها عند الدفاع عن التوسع في الإنفاق الإنمائي بما يزيد عن حاجة الموارد المالية، ويتم تمويل هذا العجز بطباعة المزيد من الأموال، وبعدها تبدأ قيمتها بالانخفاض.
  • وبعض الأسباب الإيجابية الأخرى لمعدل التضخم المنخفض أن التفاوض على الأسعار لا يكون سهلًا، وخاصة عبر تخفيضها، عندها تستطيع الأسعار النسبية (نسبة سعر المنتجات لبعضها البعض) التكيف عند ازدياد الأسعار عامة، فمثلًا سعر ربطة الخبر 100 ليرة وسعر الجريدة 200 ليرة أي أن الجريدة تساوي سعر ربطتي خبزٍ، فإن تغير سعر الخبز إلى 200 ليرة وسعر الجريدة إلى 300 ليرة، فإن السعر النسبي للمنتجين يتغير.
  • تخفيف من شدة الركودة الاقتصادية عند بداية التضخم، حيث تكون الأسواق متكيفة مع التغييرات بشكلٍ كبيرٍ فتتخطى الكساد بأقل ضررٍ ممكن.
  • التضخم القليل يساعد على زيادة حركة الأموال المتوقفة وتنشيط العمليات الاستثمارية والتجارية، عكس تأثيرات التضخم الشديد.

كيفية تحديد نسبة التضخم المالي

هناك الكثير من المؤشرات التي تستعمل في تحديد نسبة التضخم منها:

مؤشر سعر البيع بالتجزئة والمستهلكين حيث يبدأ النظر إلى أسعار الكثير من المنتجات والخدمات ذات الاستعمال اليومي كالخبز والبيض والمواصلات والاتصالات والألعاب وغيرها، وتجرى مقارنة مع نسب الارتفاع في السنوات السابقة حتى نعرف التغييرات السنوية أو الشهرية التي طرأت على هذه الأسعار.

حساب معدل التضخم المالي

مُعدّل التضخم المالي هو نسبةٌ مئويّةٌ تنخفض فيها قيمة النقود خلال مدة محددة، فيؤدي ذلك الى ارتفاع أسعار السّلع المختلفة، ويُحسب مُعدّل التضخم المالي من القانون التالي:

مُعدّل التضخم الماليّ = (مستوى زيادة الأسعار العامة في عام ما – مستوى زيادة الأسعار العامة في العام السابق) / مستوى زيادة الأسعار العامة في العام السابق × 100%

مثال: بلغت زيادة الأسعار عام 2019م ال500 ليرة، مقارنةً بما بلغت في عام 2018م الذي وصل إلى 450 ليرة. احسب معدل التضخم المالي!

الحل: بتطبيق القانون الذي سبق وتعويض المعطيات السابقة = 500 – 450 / 450 × 100% = 11,11%.

مكافحة وعلاج التضخم المالي

يتم علاج التضخم المالي عن طريق بعض السياسات المتبعة:

  • سياسات الطلب: الحد من الزيادة في الطلب الكلي على السّلع والخدمات، من خلال اتباع سياساتٍ ماليةٍ ونقديةٍ انكماشيةٍ، أي زيادة الضرائب، والإنفاق الحكومي، والحد من الإصدار النقدي.
  • سياسات العرض: زيادة العرض الكلّي من السلع والخدمات، وذلك من خلال ربط الزيادة في الأجور، بما يتماشى مع الزيادة في الإنتاجية.
  • الاهتمام بمشروعات القاعات السلعية: وذلك باستغلال الطاقات العاطلة في المشروعات، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
  • سياسات مالية: يتم فيها بيع الدَّين العام للشعب، وبالتالي يتم سحب النقد المتوفر في السوق وهذا يحد من النقد المعروض.
  • سياسة الخفض من الإنفاق الحكومي: أي تخفيف الصرف على المعونات وعلى البنى التحتية لتخفيف التضخم المالي.

مفهوم المرونة

هي مقياسٌ لدرجة حساسية أو مدى استجابة العرض والطلب للتغير في العوامل المؤثرة في كل منهما ضمن السوق. ولهذا المرونة عدة أنواع لكل منها اختصاصات ودراسات استراتيجية مختلفة وفق التالي.

أنواع المرونات

للمرونة عدة أنواع، فهناك:

  • مرونة الدخل: تدرس الاستجابة في كمية التغير المطلوبة في الدخل.
  • مرونة الواردات: تدرس نسبة الاستجابة في الطلب على الواردات للتغير في أسعارها.
  • المرونة السعرية: تدرس نسبة الاستجابة في الكمية المطلوبة أو المعروضة للتغير في السعر.
  • مرونة الطلب ومرونة العرض، وسنتحدث هنا عن مرونة الطلب وأنواعها.

تعريف مرونة الطلب

مرونة الطلب هي درجة الاستجابة في التغيرات ضمن الكمية المطلوبة من السّلع أو الخدمات للتغيرات في ثمنها أو العوامل الأخرى.

أنواع مرونة الطلب

  • مُرونة الطلبِ السّعرية: هي درَجة استجابة الكميات المطلوبة للتغيُرات الحادثة في السعر.
  • مرونَة الطلَب الدّخلية: هي دَرجة استجابةِ الكمّيات المَطلوبة للتّغيرات الحادِثة في الدّخل.
  • مرونة الطلب التقاطعية: هي درجَة استِجابة الكَميات المطلوبَة للتغيرات الحادثة في أسعار السّلع البديلة أو المكملة.

مرونة الطلب السعرية

هى درجة الاستجابة في الكمية المطلوبة من السلع للتغيرات التى تطرأ على سعرها. ويمكن حسابها باستخدام مرونة النقطة إذا كان التغير في السعر طفيفًا.

أنواع مرونة الطلب السعرية

  • الطّلب عديم المرونة: التّغير النِسبي في الكَميات المطلوبة صفرٌ بالنسبة للتغير النسبي في الأسعار.
  • الطلب غير المَرن: التغيّر النسبِي في الكميّات المطلوبة أقل من التغير النسبي في الأسعار.
  • الطلَب المرِن: التغَير النسبي في الكمياتِ المطلوبة أكبر من التغير النسبي في الأسعار.

العوامل المؤثرة على مرونة الطلب السعرية

  • مدى أهمية وضرورة السّلعة للمستهلك.
  •  مدى توافر بدائل للسّلعة.
  • الطلب على السّلع المكملة.
  • الفترة الزمنية.
  • مستوى سعر المنتج ونسبة ما ينفق على المنتج من الدخل.

وفي النهاية أرى شخصيًا أنّ التاجر الذكي هو الذي يعلم قيمة سلعته، وبالتالي يعلم مدى استجابة السوق لأي تغير في سعرها، ولذلك يقوم بوضع سياسته للتسعير والتسويق، وذلك تبعًا لنسبة المرونة السعرية خاصتها، وهو ما يمكن أن يساعده على زيادة حصته السوقية، ومنها تزداد أرباحه على المدى الطويل، فالمرونة هي أن تُغيِّر من أسلوبك لتتابع في نفس الطريق.