من منا لا يعرف الحرير؟ ذلك القماش المتين المميز، والذي يتسم بصفات تجعله من أفضل وأغلى أنواع الأقمشة في العالم. كيف بدأت صناعة الحرير؟ ما هي دودة القز المنتجة له وأين موطنها؟ هذا ما سنتكلم عنه في مقالنا اليوم.

التعريف بدودة القز

دودة الحرير، أو اليسروع، أو دودة شجرة التوت، أو (Bombyx mori )، كلها أسماء لمسمى واحد، هو دودة القز. هي حشرة من فصلية الفراشات، رتبة حرشفيات الأجنحة، تنتج يرقاتها الحرير، لذا لها أهمية اقتصادية بالغة. وتمر دورة حياتها بعدة مراحل:

  • البيضة: تضع أنثى الفراشة 300-400 بيضة دفعة واحدة. يبلغ طول البيضة 1 ملم، تبدو عند وضعها بلون أصفر، ثم تتحول إلى الرمادي. تلتصق البيوض بمادة لزجة تجف عند تماسها مع الهواء.
  • اليرقة: تفقس البيوض لتعطي اليرقات، التي يبلغ طولها 3 ملم، شكلها أسطواني، ذات رأس أسود وجسم رمادي. تتعرض اليرقة للانسلاخ عدة مرات، ويزداد طولها في كل مرة تنسلخ فيها، لتتحول بذلك ليرقة بيضاء اللون بطول 3-6 سم. تتغذى بشكل رئيسي على أوراق شجر التوت.
  • الشرنقة: وهي المرحلة التي تشكل فيها اليرقة نسيجًا من حولها، وتمكث داخله لمدة 2-3 أسبوع.
  • الفراشة: تبدو عند خروجها من الشرنقة بتأثير سائل قلوي تفرزه غدد خاصة، بلون أبيض مائل للصفرة. تعيش لمدة قصيرة تضع خلالها البيوض ثم تموت.

ما هو موطن دودة القز؟

تعد الصين هي الموطن الأساسي لدودة القز وإنتاج الحرير، حيث تشير السجلات التاريخية إلى أن تربية دودة القز وإنتاج الحرير منها تعود إلى الحضارة الصينية القديمة (اليانغشاو)، أي إلى 3000-5000 عام قبل الميلاد. وفي النصف الأول من القرن الميلادي الأول، وصلت تربية دودة القز إلى قرية كوتان الإيرانية ثم انتشرت في بلاد فارس. وبحلول منتصف القرن الثاني للميلاد، وصلت صناعة الحرير إلى بلاد الهند وانتشرت فيها.

ومن ثم انتشرت في دول حوض المتوسط وفي أوروبا، وأصبح إنتاج الحرير من دودة القز صناعة يدوية ذات انتشار في العديد من الدول مثل الصين، والهند، واليابان، وكوريا، والبرازيل، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا أيضًا. كما انتشرت صناعة الحرير في سوريا وأصبح الحرير يقايض بالذهب وزنًا، كما أنتجت دمشق أفخر أنواع الأقمشة الحريرية كالدامسكو و البروكار المشهورين. وأيضًا، انتشرت في مصر خلال القرن التاسع عشر. كما وصلت أيضًا هذه الصناعة حديثًا الي ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

كيف تنتج دودة القز الحرير؟

كما أسلفنا سابقًا، إن يرقة دودة القز هي المنتجة للحرير. حيث تنتج اليرقة ألياف الفبروين البروتينية القوية ذات الجودة العالية. تمتلك اليرقة غدتان لإنتاج الحرير، تتوضعان على جانبي القناة الهضمية. تتحد القناتان في قناة جامعة تصب في الشفة السفلى عند مقدمة الرأس. تنتج كل غدة خيط رفيع يلتحم مع نظيره بواسطة مادة لزجة تدعى صمغ الحرير، حيث يلتف الخيطان عند خروجهما على بعضهما ليشكلا بذلك خيطًا متينًا. يعرف خيط الحرير بخفته ونعومته وقدرته على امتصاص الرطوبة. تنتج اليرقات تلك الخيوط بغية لفها على نفسها لتشكل فيما بعد الشرنقة، والتي تمكث في داخلها فترة من الزمن.

يتراوح طول خيط الحرير المكون للشرنقة من ثلاثمئة إلى تسعمئة متر، ثم تمزقه الفراشة عند نضوجها وتخرج من الشرنقة. ولذلك يلجأ مربي دودة القز إلى قتل الفراشة وهي بداخل الشرنقة قبل أن تقوم بتمزيقها وقطع الخيط، وذلك بوضعها في الماء الساخن، أو تعريضها لأشعة الشمس، أو وضعها في أفران خاصة، أو قتلها بالبخار. بعد ذلك توضع الشرنقة بالماء الساخن لحل صمغ الحرير الذي يجمع الخيطين، ومن ثم يبحث عن طرف للخيط، ويلف على بكرة.

سلالات دودة القز

تتنوع سلالات دودة القز بتنوع أماكن تربيتها، كما تحظى بأهمية بالغة في علم الهندسة الوراثية والتهجين، حيث تعد دودة القز، إضافة إلى الذرة، من أكثر الكائنات تأثرًا بتقانات التهجين. وذلك لتحقيق الفائدة الاقتصادية القصوى الممكنة من تربيتها. ونذكر من سلالات دودة القز:

  • السلالات الصينية: الووزي، وكانتون، وتشي كيانج. التي تمتاز بشرانق صغيرة ذات لون أبيض أو فضي.
  • السلالات اليابانية: نيبونشيكي، وأكازي. التي لها شرانق بيضاء كبيرة.
  • السلالات الإيطالية: إسكولي، وجران سو، ونوفي، ويوليجيا لو، وتتميز بأن شرانقها بيضاء أو ذهبية اللون.
  • سلالات الشرق الأوسط: العجمي، وبورسا، والبغدادي، وسالونيكا.
  • السلالات الفرنسية: وأهمها الفارو، شرانقها كبيرة الحجم صفراء اللون، وإنتاجها وفير من الحرير.

خواص الحرير الذي تصنعه دودة القز

أما عن خواص خيط الحرير، فيتميز بمتانته ونعومته، ويمتص الرطوبة، إضافة لسهولة نسجه واستخدامه في الصناعات النسيجية. يذوب في حمض الكبريت المركز، ويقاوم الحرارة، ويمكن تسخينه حتى 140 درجة مئوية. كما يمتص الأملاح والصبغات، ويتأثر بالقلويات المركزة.

نستنتج مما ذكر أعلاه أهمية تربية دودة القز الاقتصادية، والخواص المميزة لخيط الحرير، والتي تجعله رائدًا في مجال صناعة الأقمشة والمنسوجات والخيوط الجراحية، مما يبرر اهتمام الكثير من الدول بإنتاجه ودعم وتشجيع مشاريع تربية هذه الدودة في أراضيها.