منذ أن تأسست مجلة The Furrow عام 1895م، كان هدفها الأول تقديم أفضل وأدق المعلومات للمزارع الأمريكي، وبشكل حياديٍّ عن مالكها John Deere وهو صاحب شركة جود دير للمعدات الزراعية. فاستطاعت لأكثر من قرن من كسب ثقة قاعدتها الجماهيرية وتوسيعها بشكلٍ تدريجيٍّ ومستمرٍّ. لعلّ هذا المثال هو أفضل الأمثلة عن التسويق بالمحتوى content marketing والذي يهدف إلى تثقيف العملاء بدلًا من الترويج لهم. وللتعرف على المزيد من القصص المشابهة تابعوا معي.

من المثال السابق نستنتج أن التسويق بالمحتوى موجود منذ زمن بعيد. ولكن فعليًّا لم يُسلّط الضوء عليه حتى العقود الأخيرة، حيث أصبح العالم الرقمي جزءًا من حياتنا اليومية. ومع النمو المستمر للصناعات والتقنيات، أصبح للتسويق بالمحتوى دورًا أساسيًّا في تحقيق الربح والنجاح. وسعت الشركات من جميع المجالات لتبنيه واعتماده كأسلوبٍ أساسيٍّ في التسويق، مما غيّر قواعد التسويق.

اليوم، أصبح الجمهور أكثر درايةً بقواعد التسويق، فعلى الرغم مما تحمله الأساليب التقليدية من إبداع إلا أنّه صار أكثر تحصنًا من الوقوع في شرك إعلانات الشركات أو غيرها. ولإدراك التسويق سنتعرف عليه من خلال بعض ما يرويه رواده عنه.

ما هو التسويق بالمحتوى Content marketing

تعددت التعاريف للتسويق بالمحتوى، فوفقًا لاختصاصي التسويق بالمحتوى معهد التسويق بالمحتوى، فهو:

” التسويق بالمحتوى، هو نهجٌ تسويقيٌّ استراتيجي يركز على إنشاء وتوزيع محتوى قيم، وذي صلة، وبانتظام لجذب جمهور محددٍ والاحتفاظ به، ودفع العملاء إلى القيام بإجراءات مربحة في نهاية المطاف”

أما أداة التسويق HubSpot فقد عرفته كما يلي:

” التسويق بالمحتوى هو عملية تخطيط المحتوى وإنشائه وتوزيعه ومشاركته ونشره للوصول إلى جمهورك المستهدف. كمشروع تجاري، يمكن أن تساعدك هذه الإستراتيجية على تحسين الوعي بالعلامة التجارية، وزيادة المبيعات، والتواصل مع مكونات الجمهور المستهدف، وحثّ العملاء والعملاء المحتملين على التفاعل”.

مما قيل نستنتج أن (تقديم الفائدة قبل الوصول إلى الاستفادة) هي ما يميز المحتوى التسويقي عن غيره من الأساليب التقليدية. وبكلماتٍ أخرى، المحتوى التسويقي هو استراتيجيةٌ بعيدة الأهداف. تعتمد على إيصال أنواعٍ مختلفةٍ من المحتوى المكتوب والمرئي والمسموع إلى العملاء بهدف تقديم الفائدة، مما يضمن ثقة العميل ويقوّي العلاقة معه. وعندما تتم العملية بالطريقة الصحيحة يمكن كسب المزيد من العملاء وتوسيع القاعدة الجماهيرية.

كسب ثقة الزبون، بتطبيق قاعدة الفائدة قبل الاستفادة هو أساس التسويق بالمحتوى. فعلى سبيل المثال؛ شركةٌ معينةٌ توفّر لعملائها محتوى ذي قيمة تعليمية وترفيهية، وبشكلٍ مجانيٍّ، هي بذلك أصبحت الوجهة الأولى والأكثر مصداقية بالنسبة لهم من بين الشركات الأخرى المنافسة التي تبيع دون أن تسوق. ومن الأمثلة على أنواع المحتوى التسويقي:

  • التسويق عبر الشبكات الاجتماعية.
  • التدوينات.
  • نشرات و حملات البريد الإلكتروني.
  • الفيديو.
  • المقالات التعليمية.
  • البودكاست.
  • الإنفوجرافيك.
  • تقارير ودراسات الحالات.

أمثلة عن التسويق بالمحتوى Content marketing

تجربة مشروب الطاقة Red Bull في تسويق المحتوى

يمكن اعتبارها إحدى أهم التجارب الرائدة في هذا المجال، والتي ركزت على فئتها الجماهيرية المستهدفة. عرفت ما تفضله، ووضعته في المقام الأول، وهو الأدرينالين والطاقة والإثارة، فصنعت لنفسها اسمًا في مجال الرياضات المتطرفة، وأصبحوا مثالًا للشباب، وعلامةً تجاريةً ليس فقط للمشروبات وإنما أيضًا لثقافةٍ ونمط حياة، ولتبيع تجربةً وليس منتجًا.

أصبحت شركة ريد بول الراعي الأول للأحداث الرياضية. فكان لها فرقها الخاصة في الفورمولا 1 وأولمبياد التزلج، ولعبة سباقات خاصة في Playstation 3، والحضور الأهم في الحفلات والمهرجات الموسيقية، ومشاركات في منتزهات ركوب الدراجات الجبلية وغيرها. وكان لهم متابعون على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وإنستغرام وتويتر  وYouTube فلقد صوروا أفلامًا خاصة بهم مثل “The Fearless Swedish Free-rider” وسلسة فيديوهات ” Felix Baumgartner’s Supersonic Freefall”. لقد كانوا في كل مكان.

تجربة شركة River pools للألياف الزجاجية في تسويق المحتوى

عام 2008م في ذروة الأزمة العالمية وحين كانت سوق الأسهم في انهيار، كانت شركة River pools للألياف الزجاجية تتعرض للانهيار بسبب خسائرها المستمرة. وبينما أشار جميع المستشارين على مالك الشركة “ماركوس ماركون شيردن” بإغلاقها إلا أنه اتبع أسلوبًا آخر وبدأ مرحلةً جديدةً وهي التسويق بالمحتوى. استهدف الجمهور لمعرفة ما تعانيه منتجاته من أخطاء، وما يرغبه العملاء. وللوصول إلى ذلك أنشأ مدونةً الكترونيةً، وجنّد فريقًا خاصًّا للتواصل مع العملاء والإجابة على جميع استفساراتهم وتتبع مشاكلهم. لم تكن النتائج فورية بل استغرقت 6 أشهر لتبدأ مؤشرات المبيع بالارتفاع وحصد الأرباح. ويقول السيد شيردن:

“في اللحظة التي توقفنا فيها عن قول إننا نبني مسابحًا وبدأنا نقول إننا أفضل من يعرف الكثير بشأن الألياف الزجاجية في العالم وحدث أننا نركبهم أيضًا كانت تلك أكثر الأيام ازدهارًا في حياتنا”

تجربة مايكروسوفت في التسويق بالمحتوى

أسلوب رواية القصص، ومن منا لا يستمتع بسماع قصة. فكلما كان السرد أكثر تشويقًا كلما ازداد إفراز هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن السعادة. هذا ما اعتمدت عليه شركة ما يكروسوفت في مدونتها فكونت علاقة قوية مع جمهورها ونالت ثقتهم بشعورهم بالعاطفة تجاه قصصهم. وهو الأساس في التسويق بالمحتوى. فيشارك ما يفوق نسبة 95 % من الموظفين في سرد القصص حول نشاطاتهم اليومية. ليتعرف العملاء على مجريات الأحداث خلال الحدث المفضل لديهم.

تجربة حملة كوكاكولا Share A Coke في التسويق بالمحتوى

تخصيص المحتوى، هذا ما اعتمدت عليه شركة كوكاكولا في أستراليا، فأعطت للزجاجات هويةً بربطها ب 150 اسم، مما نشر الهوس بين الجميع بحثًا عن الزجاجة الحاملة لاسمه. فلقد منحته الكولا شعورًا بالتميز. استهدافها للاسم جذب أكثر ما يثير اهتمام العملاء، أنفسهم.

وأخيرًا، تطول القائمة بالأمثلة عن التسويق بالمحتوى Content marketing. فبعد تحديد المفهوم في عام 2007م اكتشفت الشركات مقدرتها على الترويج لمنتجاتها وخدماتها دون الحاجة إلى معلنين. فكان ذلك التحدي الأكبر في مجال التسويق لإيجاد أفضل أنواع المحتوى التسويقي من حيث القيمة والفائدة والجاذبية؛ لتوسيع قاعدة العملاء ورقع نسبة الأرباح.